الاثبات، فحينئذ ففي تقسيمهم إلى العقلية والوضعية مثلا ليس على نسق واحد، بل الأولى في مقام التقسيم بالنظر إلى مرحلة الاقتضاء ان يقسم إلى الذاتي والجعلي، وبالنسبة إلى مرحلة الفعلية [إلى] العقلية وغيرها من سائر القوى الوجدانية.
ثم إن في تقابل العقلية والوضعية جهة اختلال [أخرى] حيث إن الدلالة العقلية ليس إلا دلالة تصديقية [توجب] الاذعان بالمدلول بخلاف ما يستند إلى مجرد الوضع لأنه ليس إلا دلالة تصورية على وجه ينسبق المعنى من اللفظ إلى ذهن السامع مع الجزم بعدم وجوده خارجا أم في ذهن المتكلم أو في مرحلة إرادة تفهيمه. كيف; وأشرنا في المقالة السابقة إلى أن الدلالة التصديقية فرع تحقق مقدمات أخرى من مثل كون المتكلم في مقام الإفادة والاستفادة على وجه يوجب بمثلها التصديق بمرادية المعنى للمتكلم قطعيا أم ظنيا. وعليه فكم فرق بين سنخ الدلالة الوضعية في الألفاظ أو الطبيعية والعقلية!.
بل وبينهما فرق آخر من حيث إن في دلالة اللفظ على المعنى لا يلتفت الانسان إلى اللفظ مستقلا بل تمام الالتفات إلى معناه على وجه كان المعنى بعناية عين اللفظ واللفظ عينه. ولذا ربما [تسري] المقبحات المعنوية إلى اللفظ وكذا العكس، بخلاف سائر الدلالات حيث إن شأن الدال ليس إلا صيرورته موجبا للاذعان بغيره مع كمال الالتفات إلى اثنينيتهما.
ومن هنا نقول بان سنخ استعمال الألفاظ ليس من باب سائر العلامات الملتفت إليها مستقلا الموجبة للاذعان بغيرها، ولذا لا تسري جهات قبح العلامة إلى ذيها وعكسه بخلاف باب الاستعمال.
ثم إنه بعد شرح حقيقة الدلالة وأقسامها من حيث مقتضياتها ثبوتا أم اثباتا يبقى الكلام في تقسيم آخر لها من جهة الاختلاف في المدلول بكونه مطابقة أو تضمنا أو التزاما وذلك لان إراءة الشئ بالنسبة إلى تمام ما هو مرتبط معه