وأيضا إذا ثبت ما ادعاه من حكم العقل بالحسن والقبح في المقام لكان مثبتا للمقصود من غير حاجة إلى ضم قوله: " فلو لم يجب العمل بالظن... إلى آخره " فيكون أخذه في المقام لغوا، وإنما ضمه إليه من جهة أن العلامة (رحمه الله) وغيره أخذوه في الاحتجاج المذكور فقرر الاستدلال على حسب ما قرروه إلا أنهم لم يريدوا بالراجح والمرجوح ما فسرهما به، بل أرادوا بهما ما قررناه فلا بد لهم من ضم المقدمة المذكورة بخلاف ما قرره، إذ لا يعقل حينئذ وجه لضم المقدمة المذكورة أصلا، فهو (رحمه الله) مع تفسيره الرجحانية بما مر أورد الاحتجاج على نحو ما ذكروه ومنه نشأ الإيراد المذكور.
هذا وقد ذكر الفاضل المتقدم بعد بيان الاحتجاج على الوجه المذكور ايرادا في المقام، وهو: أنه إنما يتم ما ذكر إذا ثبت وجوب الإفتاء والعمل، ولا دليل عليه من العقل ولا النقل، إذ العقل إنما يدل على أنه لو وجب الإفتاء أو العمل يجب اختيار الراجح، وأما وجوب الإفتاء فلا يحكم به العقل، وأما النقل فلأنه لا دليل على وجوب الإفتاء عند فقد ما يوجب القطع بالحكم، والإجماع على وجوب الإفتاء ممنوع في المقام، لمخالفة الأخباريين فيه حيث يذهبون إلى وجوب التوقف والاحتياط عند فقد ما يوجب القطع.
وأجاب عنه أولا: بمنع وجوب العمل بالمقطوع به في الفروع وهو أول الكلام، وما دل عليه من ظواهر الآيات ليست إلا ظنونا لا حجة فيها قبل إثبات حجية الظن.
وثانيا: بعد تسليم وجوب القطع فإنما يعتبر ذلك في حال إمكان تحصيله لا بعد انسداد سبيله كما هو الحال عندنا.
وثالثا: أن العمل بالتوقف أو الفتوى بالتوقف أيضا يحتاج إلى دليل يفيد القطع، ولو تمسكوا في ذلك بالأخبار الدالة عليه عند فقدان العلم، فمع أن تلك الأخبار لا تفيد القطع لكونها من الآحاد معارضة بما دل على أصالة البراءة ولزوم العسر والحرج، وعلى فرض ترجيح تلك الأخبار فلا ريب في كونه ترجيحا ظنيا، فلا يثمر في المقام.