لا يستلزم حسن الحكم بالمظنون والعمل به، لإمكان قبح الأمرين، مع أن الوجه المذكور قاض بقبح الحكم بالمظنون أيضا، لأنه أيضا يشبه الكذب نظرا إلى توقف الإخبار بالعلم بالمطابقة، فغاية الفرق بين الأمرين قوة احتمال عدم المطابقة في الأول وضعفه في الثاني، وذلك لا يقضي بخروجه عن دائرة الكذب على تقدير عدم المطابقة ولا (1) التجري على الكذب بالإتيان بما يحتمله، لما فيه من انتفاء العلم بالحقيقة، فالتقرير المذكور ليس على ما ينبغي، وكأنه مبني على وجوب الحكم والعمل بأحد الجانبين حال انسداد باب العلم وإن لم يؤخذ ذلك في الاحتجاج.
وقد أشير إلى ذلك في الإيراد الآتي في كلام المستدل فيضم إليه حينئذ قبح الأخذ بالموهوم في العمل والفتوى دون المظنون، والوجه فيه ما مر في الدليل المتقدم من كون تحصيل الواقع هو المناط في العمل والفتوى، وحيث إن الطريق إليه هو العلم فبعد انسداد ذلك الطريق وبقاء وجوب الحكم والعمل لا بد من الأخذ بما هو الأقرب إليه، أعني الطرف الراجح دون المرجوح، فلذا يحكم العقل بحسن الأول وقبح الثاني. فيكون الدليل على الدعوى المذكورة وهي المقدمات الثلاث المتقدمة من غير حاجة إلى ضم الرابعة نظرا إلى استقلال العقل بقبح ترك الراجح وأخذ المرجوح. ويجري ذلك بالنسبة إلى سائر الظنون، وهذا كما ترى تقرير آخر للاحتجاج المذكور بحذف المقدمة الرابعة، فإن الموصل إلى الحكم بحجية مطلق الظن بناء على التقرير المذكور هو المقدمات المذكورة. وأما الحكم بقبح ترك الراجح وأخذ المرجوح الحاصل بملاحظة تلك المقدمات فهو مساوق للمدعى أو عينه، كما عرفت.
وأنت بعد ملاحظة ما بيناه تعرف أن المتجه في تقرير الاحتجاج هو ما ذكرنا دون التقرير المذكور، فإن الرجحانية والمرجوحية بالمعنى الذي ذكرناه بعد ضم المقدمات الثلاث هو الموصل إلى الرجحانية والمرجوحية بالمعنى الذي ذكره.