أو الأعصار المتأخرة فلا يفيد الوجه المذكور حجية ظنه في فهم مراد ذلك المتكلم، لعدم وقوع المخاطبة إياه وعدم كونه مقصودا بالإفادة من العبارة، فلا بد له تحصيل فهم المخاطب، فإن أمكن تحصيله على وجه اليقين فلا كلام، وإلا كان الاعتماد على الظن به موقوفا على أصالة حجية الظن، إذ لا دليل عليه بالخصوص يفيد القطع بحجيته والدليل المتقدم لا يجري بالنسبة إليه فينحصر الأمر في الاعتماد عليه في الاندراج تحت ذلك الأصل.
ثانيهما: أن يكون الكلام موضوعا لإفهام من يصل إليه مطلقا أو لإفهام من يصل إليه من صنف خاص فيكون مقصود المتكلم بقاءه والاستفادة منه، وحينئذ فلا فرق بين من وقعت المخاطبة معه من الحاضرين الذين القي إليهم الكلام والغائبين والمعدومين ممن يأتي في الأعصار اللاحقة الذين قصد استفادتهم من ذلك الكلام وإن لم يكونوا مخاطبين بذلك الخطاب على وجه الحقيقة، وذلك كتصنيفات المصنفين، فإن الظن الحاصل لهم من ذلك الكلام حجة بالنسبة إلى الجميع في الوقوف على مراد المتكلم والطريقة المستمرة من أهل العرف قاضية بذلك بحيث لا مجال أيضا ولا ريب فيه، وعليه يبتنى في العادة فهم الكتب المصنفة والرسائل الواردة ونحوها، وشئ من الأمرين المذكورين لا ينفعنا في المقام.
أما الأول: فظاهر، لعدم وقوع المخاطبة معنا في شئ من الخطابات الواردة في الشريعة. نعم لو قيل بعموم الخطاب الشفاهي لربما أمكن القول به إلا أن القول المذكور ضعيف حسب ما بين في محله.
وأما الثاني: فلعدم قيام دليل عليه، كيف! والمقصود في المقام حصول القطع بالحجية، ولا يتم ذلك إلا مع قيام الدليل القاطع على كون تلك الخطابات من هذا القبيل، بل من الظاهر خلافه بالنسبة إلى الأخبار، فإن الظاهر أن خطاب الصادق (عليه السلام) لزرارة ومحمد بن مسلم مثلا لا يشمل غيره، ولا يريد بحسب ظاهر المخاطبة إلا تفهيمه وإن كان غيره مشاركا للحكم معه، فإن مجرد المشاركة