يظن منه ثبوت الحكم في الواقع فيتساوى الظنون بأجمعها من حيث المدرك حينئذ لا قبل ذلك، ولا ريب إذن في حجية الجميع وأين ذلك من القول به قبل حصول الانسداد المذكور؟ فالخلط الواقع من الجماعة القائلين بأصالة حجية الظن بعد انسداد سبيل العلم بالواقع إنما وقع من جهة عدم التمييز بين المرتبتين المذكورتين وعدم إعطاء التأمل حقه في ما يقتضيه العقل من الأمرين المفروضين ولا ريب في حصول الترتب بين الصورتين، وذلك بحمد الله تعالى واضح لا سترة عليه.
الثامن:
إن الدليل القاطع قائم على حجية الظنون الخاصة والمدارك المخصوصة، وقد دل على أن هناك طريقا خاصا مقررا من صاحب الشريعة لاستنباط الأحكام الشرعية لا يجوز التعدي عنه في الحكم والإفتاء ما دام التمكن منه حاصلا، وما ذكروه من اعتبار القطع في الأصول لا بد من حمله على إرادة هذه المسائل ونحوها من مسائل الأصول إن أرادوا بذلك ما يعم أصول الفقه فكيف يلتزم بانسداد سبيل العلم فيها؟ والطريق عندنا هو الرجوع إلى الكتاب والسنة حسب ما دلت النصوص المستفيضة بل المتواترة على أخذ الأحكام منهما والرجوع إليهما والتمسك بهما، وهناك أخبار كثيرة متجاوزة عن حد التواتر دالة على حجية الكتاب، وكذلك أخبار اخر دالة على حجية الأخبار المأثورة على حسب ما فصل القول فيه في محله.
ويدل عليه أيضا جريان الطريقة المألوفة من لدن زمان الأئمة (عليهم السلام) على العمل بالأمرين بين الشيعة وأخذ الأحكام منهما دون سائر الوجوه حسب ما تراه العامة الضالة. والأمر في رجوعهم إلى الأخبار أوضح من الشمس في رائعة النهار، فإن عليها مدار المذهب، ولا زالت عمل الشيعة من أزمنة الأئمة (عليهم السلام) على الأخبار المأثورة بتوسط من يوثق به من الروايات، أو مع قيام القرينة الباعثة على الاعتماد عليها والظن بصدقها وإن كان راويها مخالفا لأهل الحق كالسكوني