عرفت من أن العهد قد يكون إشارة إلى نفس الطبيعة أو إلى جميع الأفراد. وقد يفرق أيضا بأن العهد يتوقف على علم سابق بخلافهما. وفيه: أن العهد الحضوري لا يتوقف على علم سابق، إذ هو إشارة إلى الحاضر حال التكلم كما أن اللام التي للجنس إشارة إلى الماهية الحاضرة في الذهن بلا فارق بينهما إلا في كون الحضور في أحدهما خارجيا والآخر ذهنيا. فالأظهر في بيان الفرق أن يقال: إن العهدية يتوقف على أمر خارج عن مدلول اللفظ به يتحصل العهد من تقدم ذكر أو حضور حال التكلم ونحوهما بخلاف الجنس والاستغراق إذ لا حاجة فيهما إلى ذلك، فإن الأول إشارة إلى الطبيعة الحاضرة عند سماع مدخوله له، فيكون اللام إشارة إليه من غير حاجة إلى ملاحظة أمر آخر غير مدخوله ونظيره القول في الاستغراق.
نعم قد يكون فهمه في بعض المقامات متوقفا على قيام دليل دال على عدم إرادة الجنسية - كما في المفرد المعرف على ما يأتي - وليس ذلك مما يحصل به الاستغراق وإنما هو صارف له عن إرادة الجنسية بخلاف العهد فإن قوامه بالمعرفة الخارجية.
وقد ظهر مما قررناه عدم اندراج العهد الذهني في أفراد العهد، إذ الانتقال هناك إلى الفرد ليس بسبب معهوديته وحصول العلم به خارجا عن تلك العبارة، بل من جهة عدم صحة تعلق ذلك الحكم إلا بالجنس في ضمن بعض الأفراد خاصة كما في قولك: أكلت اللحم وشربت الماء، وأكله الذئب، ومررت على اللئيم ونحو ذلك، فإن الأمور المذكورة مما لا ربط لها بالطبيعة من حيث هي وإنما يتعلق بها في ضمن الأفراد، ولا يراد في ضمن جميع الأفراد إما لعدم قابليتها لذلك - كما هو ظاهر في كثير من أمثلته - أو لدلالة المقام على خلافه. والحاصل أن الانتقال إلى الفرد إنما يكون من الجنس بتوسط القرينة القائمة في المقام، فاللام إشارة إلى الجنس ويكون الفعل المتعلق به دالا على كون ذلك الجنس في ضمن بعض الأفراد كما لا يخفى بعد التأمل في موارد استعماله.
وتوضيح المقام: أن المعرف بلام الجنس قد يكون متعلقا بالفعل أو الترك