إلا أنه يجب صرفه بالتأويل إلى السبب إذ لا تكليف إلا بالمقدور من حيث هو مقدور فإذا كلف المكلف كان تكليفا بإيجاد سببه لان القدرة إنما تتعلق بالمسبب من هذه الحيثية بخلاف ما إذا كانت المقدمة شرطا للواجب غير مستلزم إياه كالطهارة للصلاة والمشي للحج فإن الواجب هيهنا يتعلق به القدرة بحسب ذاته فلا يلزم أن يكون إيجابه إيجابا للمقدمة وحاصله أن المسبب لا ينفك عن السبب قطعا ووجوده واجب حينئذ ويمتنع عند عدمه فالتكليف بالمسبب إما تكليف بإيجاد الموجود أو الممتنع وكلاهما محال فلا يصح تعلق التكليف به فالتكليف متعلق بالسبب وجوابه أن المقدور لا يصير ممتنعا فإن الوجوب بالاختيار لا ينافي وكذلك الامتناع بالاختيار وبالجملة المسبب مقدور وإن كان بواسطة السبب ولذلك ذهب المحققون إلى جواز كون المطلوب بالأوامر هو المفهومات الكلية وإن لم يمكن وجودها الا في ضمن الفرد مع أن الامتناع بالمعنى المذكور يتمشى في الشروط أيضا وقد يورد عليه أيضا بأن ذلك مستلزم لارتفاع التكليف إذ كل سبب مسبب أيضا لاحتياج الممكن إلى المؤثر حتى ينتهي إلى الواجب وقد يجاب بأن المراد بالمسبب هيهنا ما له واسطة مقدورة بينه وبين المكلف لا كل ما له علة وانتهاء العلل إلى الواجب تعالى لا يستلزم الجبر كما يشهد به الضرورة والشبهة المشهورة لا يعتنى بها في مقابلة البديهة وما يقال أن النزاع في السبب قليل الجدوى لان تعليق الامر بالمسبب نادر بل الغالب التعليق بالأسباب كالأمر بالوضوء والغسل دون رفع الحدث ففيه ما لا يخفى إذ التعليق بالمسببات أيضا كثير إن لم نقل بكونه أكثر كالأمر بالكفارة والامر بالعتق ونحوهما فإن الصيغة سبب العتق والعتق سبب الكفارة ولاحظ تعلق التكاليف بالكليات مع أن الفرد إنما هو السبب لوجود الكلي فالحاصل أن المختار عدم دلالة الامر بالمسبب على وجوب السبب كغيره من المقدمات بدلالة ما قدمنا سابقا نعم يمكن أن يقال أن الامر بالمسبب أمر بالسبب إذا كان المسبب فعل الغير مثل الامر بالاحراق فإنه حقيقة أمر بإلقاء الحشيش في النار مثلا لان الاحراق إنما هو فعل النار ولكن الظاهر إن المراد بالاحراق هنا هو ما يمكن حصوله من المكلف من المبادئ المستلزمة للاحراق مجازا لا أن يكون نفس الاحراق مأمورا به ويكون دالا على وجوب السبب باللزوم العقلي من جهة استحالة حصول الاحراق عنه وهذا هو مقتضى استدلال المستدل أيضا فعلى هذا يخرج الكلام عن موضوع هذا الأصل ومحل النزاع فإن الظاهر أن من يقول بدلالة الامر على وجوب السبب لا يقول بدلالته عليه مطابقة فالامر حقيقة إنما يوجه هناك إلى السبب مطابقة وإن كان باللفظ المجازي فافهم ذلك فإنه دقيق ثم أن ما ذكرنا مبني على أن لا يكون الافعال التوليدية مستندة إلى العلة الأولى حقيقة وإلا
(١٠٦)