لمحل النزاع فلابد لهم من القول بأنها واجبة في حد ذاتها أيضا كما أنها واجبة الموصول إلى الغير ليترتب عليه عدم الاجتماع مع الحرام وأن يكون بالخطاب الأصلي ليترتب العقاب عليه وأنى لهم بإثباتها ثم إن هيهنا معنى آخر للاستلزام العقلي وهو أن العقل يحكم بوجوب المقدمة عند وجوب ذي المقدمة يعني أن وجوب أصل الفعل يحصل من الامر ووجوب مقدمته يحصل من العقل وهو من أدلة الشرع فهيهنا خطابان أصليان للشارع تعالى أحدهما بلسان الرسول الظاهر وثانيهما بلسان الرسول الباطن وإلى هذا ينظر استدلالهم الآتي على إثبات وجوب مطلق المقدمة وأنت خبير بأن ذلك لا يتم حين انفراد كل منهما عن الاخر حتى يثبت الوجوب الذاتي للمقدمة فتأمل ولعلنا نتكلم بعض الكلام في تتميم هذا المراد في مباحث المفهوم والمنطوق الثامنة قد أشرنا أن وجوب المقدمة من التوصليات و المراد بالواجب التوصلي هو ما علم أن المراد به الوصول إلى الغير وليس هو مطلوبا في ذاته ولذلك يسقط وجوب الامتثال به بفعل الغير أيضا كغسل الثوب النجس للصلاة وبالاتيان به على الوجه المنهي عنه كالغسل بالماء المغصوب ونحو ذلك وهذا هو السر في عدم اشتراط النية فيها دون الواجبات التي لم يحصل العلم بانحصار الحكمة منها في شئ أو علم أن المراد منها تكميل النفس ورفع الدرجة وحصول التقريب فإنها لا تصح بدون النية (ابد)؟ حصول الامتثال عرفا إلا بقصد إطاعة الامر إذا عرفت هذا فاعلم أن المقدمة لا ينحصر فيما كان مقدورا للمكلف أو فيما أتى به أو فيما تفطنه وكان مستشعرا به وقد ذكرنا سابقا ان الواجب بالنسبة إلى المقدمات الغير المقدورة مشروط وكلامنا هنا في مقدمات الواجب المطلق لكن لا بد أن يعلم أنه قد يكون الغير المقدور مسقطا عن المقدور وفعل الغير نائبا عن فعل المكلف وما لا يتفطنه ولا يستشعر به أيضا من المقدمات فإن من وجب عليه السعي في تحصيل الماء للوضوء إن فاجأه من أعطاه الماء فسقط عنه ذلك السعي ويكون فعل الغير نائبا عن فعله فالمقدمة هو القدر المشترك بين المقدور وغيره والقدر المشترك بينهما مقدور وثمرة النزاع إنما تحصل فيما كان مقدورا للمكلف وفعله فالقائل بوجوب المقدمة إنما يقول بوجوب القدر المشترك والكلام في حصول الثواب وعدمه بالنسبة إلى مثل هذه المقدمة هو الكلام في مثل حصوله على غسل الغير ثوبه من دون إطلاعه نعم يثاب على نيته لو نوى ذلك ثم ناب عنه فعل الغير فظهر من جميع ذلك أن الواجب قد يكون مطلقا وإن كان مقدمته قدر المشترك بين المقدور وغير المقدور فليكن على ذكر (هناك)؟ إذا تمهد هذا لك فنقول القول بالوجوب مطلقا لأكثر الأصوليين وبعدمه مطلقا نقله البيضاوي في المنهاج عن بعض الأصوليين والشهيد الثاني رحمه الله في تمهيد القواعد وبوجوب الشرط الشرعي لابن الحاجب و
(١٠٣)