إذ المدخلية للوجوب في القدرة فإن قلت العصيان موجب لحصول التكليف بالمحال ولا مانع منه إذا كان السبب هو المكلف كما فيمن دخل دار قوم غصبا أو زنى بامرأة فهو مكلف بالخروج وعدمه و إخراج فرجه من فرجها وعدمه قلنا فيما نحن فيه أيضا صار المكلف هو سببا للتكليف بالمحال لان الفعل كان مقدورا له أولا فهو بنفسه جعله غير مقدور وثانيا بالحل وهو أن المقدور لا يصير ممتنعا إذ الممتنع هو التكليف بشرط عدم المقدمة لا حال عدم المقدمة نظير تكليف الكفار بالفروع حال الكفر وإن فرضت الكلام في أخر أوقات الامكان على ما هو مقتضى جواز الترك فنلتزم بقاء التكليف أيضا لعدم استحالة مثل هذا التكليف لأنه بنفسه تسبب للتكليف بالمحال وصير المقدور ممتنعا باختياره ولا يستحيل العقل مثل ذلك ولا يذهب عليك ان هذا الجواب يوهم أنا نقول بجواز تصريح الامر بجواز ترك المقدمة فحينئذ يستظهر القائل بالوجوب ويقول إن ذلك قبيح من الحكيم فكيف يجوز تجويز الترك منه وما لا يجوز تجويز تركه يكون واجبا ولكنا إنما قررنا هذا الدليل والجواب على مذاق القوم و اما على ما اخترناه وحققناه فلا يرد ما ذكر لأنا لا نقول بجواز تجويز ترك المقدمة وإن قلنا بجواز التصريح بعدم العقاب على ترك المقدمة وإن العقاب إنما هو على ترك ذي المقدمة ولا يستلزم ذلك عدم الوجوب التبعي أيضا وأما على مذاق القوم فقد يجاب عن هذا الاشكال بأن هذا التجويز إنما هو بحكم العقل لا الشرع حتى يكون سفها وعبثا وإنا وإن استقصينا التأمل في جواز انفكاك حكم العقل هيهنا من الشرع فلم نقف على وجه يعتمد عليه وقد يوجه ذلك بأن أصالة البراءة التي هي حكم العقل تقتضي جواز الترك فيما لا نص فيه وهو بمعزل عن التحقيق إذ المراد من حكم العقل هنا إن كان مع قطع النظر عن ورود الامر من الشرع بوجوب ذي المقدمة فلا اختصاص له بالعقل واما معه فلا يمكن الحكم للعقل أيضا إذ هو من أدلة الشرع مع أنه لا يجري فيما يستقل بوجوبه العقل كمعرفة الله تعالى ولا قائل بالفرق وبالجملة لا بد من التفرقة بين قول المولى للعبد كن على السطح وأجزت لك أن لا تنصب السلم أو لا تصعد وبين قوله كن على السطح وإن لم تكن عليه فأعاقبك على ترك الكون ولا أعاقبك على ترك النصب ولا على ترك الترقي على كل واحد من الدرجات والذي نجوزه هو الثاني والذي يرد عليه الاعتراض هو الأول وعن الثالث منع كون المذمة على ترك المقدمة لذاتها بل إنما هو لأجل ترك ذي المقدمة حيث لا ينفك عن تركها ولهم حجج أخرى ضعيفة أقواها ما ذكرنا حجة القائلين بوجوب السبب دون غيره أما في غير السبب فما مر وأما في السبب فهو أن المسبب لا يتخلف عن السبب وجودا وعدما فالقدرة لا تتعلق بالمسبب بل القدرة على المسبب باعتبار القدرة على السبب لا بحسب ذاته فالخطاب الشرعي وإن تعلق على الظاهر بالمسبب
(١٠٥)