نظير الكلام في الامر فإن التفهيم لا يمكن في آن الاستفهام وكذلك النهي وفيه أن ذلك يستلزم تفاوت مدلولات المواد المستقرئة فيها إذ الفرق واضح بين هو حر وهي طالق وبين الاستفهام والقدر المشترك لا يثبت المطلق إلا أن يقال أن المعلوم من هذه المواد إرادة أحد المعنيين اما حصول مدلولها مقارنا لحصولها أو في الآن المتصل بها ولما لم يكن الأول في الامر فتعين الثاني و التحقيق مطلوب المستدل إن كان حصل له من الاستقراء إن النسب الخبرية والانشائية الصادرة عن المتكلم حاصلة في الحال الحاضر فهو لا يجديه لأنه لا إشكال في أن النسبة الانشائية في الامر وهي الطلب القائم بنفس المتكلم حاصلة في الحال فلا يمكن النزاع فيه وإن كان إن مفاد تلك الجمل ومدلولاتها حاصلة في الحال كقيام زيد وعلم عمرو وطلاق هند وحرية بلال فهو مع أنه منقوض بمثل كان زيد قائما وعمرو سوف يجئ وموقوف على كون المشتق حقيقة في الحال المقابل للاستقبال لا حال التلبس كائنا ما كان وقد عرفت أن التحقيق خلافه لا يمكن الوثوق على مثل هذا الاستقراء في إثبات اللغة وهناك طريق آخر يمكن إثبات المطلق به وهو ان النحاة ذكروا أن الامر للحال وغرضهم من اقتران معنى الفعل بأحد الأزمنة هو المعنى الحدثي وإن شئت قلت انتسابه إلى الفاعل مقترن بأحد الأزمنة وأما نسبة المتكلم فكلها واقعة في حال التكلم فعلى هذا إذا انضم إلى ذلك أصالة عدم النقل فيثبت كونها للحال لغة فيثبت الفور ولكنه مدفوع بأن كلام النحاة مع أنه لم يثبت اتفاقهم على ذلك يضعفه خلاف علماء الأصول والبيان فالظاهر إن نظرهم إلى الأغلب من إمكان حصول الطبيعة في الحال والحاصل أن الامر مأخوذ من المضارع ولا فرق بينهما في الاشتراك بين الحال والاستقبال وقد استدلوا أيضا بقوله تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم الآية وبقوله تعالى فاستبقوا الخيرات الآتية بتقريب أن المراد من المغفرة سببها لاستحالة المسارعة إلى فعل الله وفعل المأمور به سبب إذ قد يكون بعض الواجبات سببا لإزالة الذنوب كما ورد في الصلوات الخمس والحج وغيرهما سيما على القول بالاحباط كما هو الحق ويثبت في الباقي بعدم القول بالفصل فلا يرد أن سبب المغفرة إنما هو التوبة وهو فوري اتفاقا ولا حاجة إلى الاستدلال ولا يتم المطلوب بعدم القول بالفصل أيضا لاتفاق الفريقين فيه وكذا لا يرد على إرادة فعل المأمور به بناء على الاحباط أن هذا إنما يتم فيما حصل الذنب فلا يعم جميع الأوامر وأما ما يقال من أن بعض المستحبات مما ورد كونه سببا للمغفرة فلا بد من حمل الامر على الاستحباب ففيه أن العام يخصص والمطلق يقيد والتخصيص والتقييد أولى من غيرهما من المجازات وكذلك الكلام في قوله تعالى فاستبقوا الخيرات وقد يجاب عن الآيتين
(٩٧)