وللجنابة ولمس الميت وغير ذلك مدفوع بأنه لا يتصور في ذلك قبح إلا لزوم تأخير البيان عن وقت الخطاب سيما فيما له ظاهر وقبحه ممنوع وكون ذلك في كل المواضع موضع الحاجة سيما موضع معرفة الوجه واعتقاد ان هذا واجب وذلك مندوب أيضا غير ظاهر والحاصل أن الدليل قام على تعيين الحقيقة ولا مانع من استعماله في المعنى المجازى وهو عموم المجاز بقرينة من خارج ولا يجب وجود القرينة في اللفظ وكذلك استعمال الصيغة في المندوبات فقط بدون قرينة في اللفظ وقد استدل أيضا بآيات منها قوله تعالى فليحذر الذين إلخ هدد سبحانه مخالف الامر وحذره من العذاب وهو يفيد الوجوب وما ذكرنا هو مدلول السياق لا صيغة ليحذر ليستلزم الدور والمصدر المضاف يفيد العموم حيث لا عهد فلا يرد أن الامر لا عموم فيه والعموم الافرادي لا المجموعي ليرد النقض بترك مجموع المندوبات لكونه معصية و كل واحد منها على البدلية لا السالبة الكلية بمعنى لا يأتون بشئ من أوامره ليرتفع بالموجبة الجزئية فيلزم عدم العقاب على بعضها والأولى أن يقال المراد بالامر الطبيعة الكلية وهو مستلزم للعموم لوجودها في ضمن كل فرد وكيف كان فهذه الآية إنما على وجوب الامر الشرعي لا الوجوب لغة و أيضا لا تدل على دلالة الصيغة على الوجوب بل الامر وما قيل من أن الامر حقيقة في الصيغة المخصوصة و التهديد على مخالفة ما صدق عليه الامر من الصيغ ففيه ما لا يخفى إذ الامر إنما يسلم صدقه على الصيغة إذا كان الطلب بها على سبيل الاستعلاء المستلزم للوجوب وأما إذا أريد منها مجرد الندب أو الارشاد أو الاذن أو غير ذلك فلا يصدق عليه أنه والحاصل أن قولهم في تعريف الامر مطابقا لمعناه العرفي طلب بالقول على سبيل الاستعلاء أو طلب بالقول من العالي يعتبرون في ذلك حيثية العلو سيما في التعريف الأول وهو مستلزم للوجوب عرفا ولا ريب أن صيغة إفعل الصادرة عن العالي ليس يعتبر فيها الاستعلاء في جميع موارد استعمالها فكيف يقال باستلزام دلالة الامر على الوجوب دلالة الصيغة المطلقة عليه حتى يجدي في المواضع الخالية عن القرينة التي هي محط نظر الأصولي وأيضا فعلى هذا فلا معنى للنزاع في دلالة صيغة افعل على الوجوب ويكفي في ثبوت ذلك إثبات دلالة لفظ الامر عليه وهو كما ترى خلاف ما اتفقت عليه كلمة الأصوليين والتحقيق أن لفظ الامر حقيقة في الطلب الاستعلائي على سبيل الوجوب وهو المتبادر منه عرفا وصيغة إفعل كثيرا ما تستعمل في غير هذا المعنى فكون الامر حقيقة في الوجوب لا يستلزم كون إفعل حقيقة فيه ولذلك أفردوا البحث في كل منهما فما اخترناه من كون الصيغة للوجوب إنما هو للتبادر في الصيغة لا من أجل كونها مصداقا للامر وإن كنا نقول بكون الامر أيضا حقيقة في الوجوب لما دللنا عليه سابقا ومما ينادي بذلك قوله صلى الله عليه وآله لولا أن أشق على أمتي
(٨٤)