تردد الامر بينهما، يكون التخصيص هو (1) المقدم، ولا يصار إلى النسخ إلا حيث يمتنع التخصيص، كما في صورة تأخير الخاص عن وقت العمل. فان التخصيص يمتنع حينئذ، لاستلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة. وهو غير جائز، وهذا يقتضي المصير إلى التخصيص، حيث لا يدل على خلافه دليل. فالاشتراط إنما هو في العدول عنه، لا إليه. ومن البين أنه مع جهل الحال لا يعلم حصول المانع، فيجب الحكم بالتخصيص. ولإن سلمنا تساوي الاحتمالين، فالاشكال مختص بما إذا كان العام قطعيا والخاص ظنيا، فليختص (2) التوقف به، إذ ما عداه من الصور خالص من هذا الشوب. وحينئذ فلا وجه لتخييل التوقف في تقديم الخاص، بقول مطلق، لتردده بين ما ذكر من الأمور. بل يستثنى هذه الصورة من البين (3)، ويبقى الحكم بالتقديم على حاله في الباقي. ولعل هذا المعنى هو مقصود القائل، وان قصرت العبارة (4) عن تأديته، إلا أن سوق كلامه يأباه. هذا.
وينبغي أن يعلم: أن أثر هذا الاشكال، على تقدير ثبوته، عند أصحابنا سهل، إذ الظاهر أن جهل التاريخ لا يكون إلا في الاخبار، واحتمال النسخ إنما يتصور في النبوي منها، وهو قليل عندهم، كما لا يخفى.
قال المرتضى - رضي الله عنه - عند ذكر احتمال جهل التاريخ وارتفاع العلم بتقديم أحدهما أو تأخيره: " وهذا لا يليق بعموم الكتاب، فإن تاريخ نزول آيات القرآن مضبوط محصور لا خلاف فيه. وإنما يصح تقديره في أخبار الآحاد، لأنها هي التي ربما عرض فيها هذا. ومن لا يذهب إلى العمل بأخبار (5) الآحاد، فقد سقطت عنه كلفة هذه المسألة. فان تكلم فيها، فعلى طريق الفرض والتقدير. والذي يقوى في نفوسنا - إذا فرضنا ذلك - التوقف عن البناء، والرجوع ما يدل عليه الدليل من العمل بأحدهما. " (6) انتهى كلامه.