حجة القول بالنسخ وجهان.
أحدهما: أن القائل، إذا قال: " اقتل زيدا " ثم قال: " لا تقتل المشركين " فهو بمثابة أن يقول: " لا تقتل زيدا ولا عمروا " إلى أن يأتي على الافراد، واحدا بعد واحد. وهذا اختصار (1) لذلك المطول، وإجمال لذلك المفصل.
ولا شك أنه لو قال: " لا تقتل زيدا " لكان ناسخا لقوله: " اقتل زيدا ". فكذا ما هو بمثابته.
والثاني: أن المخصص للعام بيان له. فكيف يكون مقدما (2) عليه؟
والجواب عن الأول: المنع من التساوي. فان تعديد الجزئيات وذكرها بالنصوصية، يمنع من تخصيص بعضها، لما فيه من المناقضة، بخلاف ما إذا كانت مذكورة باللفظ العام، فان التخصيص حينئذ ممكن، فلا يصار إلى النسخ، لما بيناه من أولوية التخصيص بالنسبة إليه، ولأن النسخ رفع والتخصيص لا رفع فيه، وإنما هو دفع، والدفع أهون من الرفع.
وعن الثاني: بأنه استبعاد محض، إذ لا يمتنع أن يرد كلام ليكون بيانا للمراد بكلام آخر يرد بعده. وتحقيقه: أنه يتقدم ذاته ويتأخر وصف كونه بيانا. ولا ضير فيه.
إذا عرفت هذا فاعلم: أن المحقق (3)، عند نقله للقول بالنسخ هنا عن الشيخ، علله بأنه لا يجيز (4) تأخير البيان. وكأنه يريد به عدم جواز إخلاء العام، عند إرادة التخصيص، من دليل عليه مقارن له، وإن كان قد تقدم (5) عليه ما يصلح للبيان.
وإلا، فلا معنى لجعل صورة التقديم من تأخير البيان.
والجواب عن (6) هذا التعليل: أولا - أنا لا نسلم عدم جواز تأخير البيان، وثانيا - أنه على تقدير سبق الخاص، لا يكون البيان متأخرا. ولم يتعرض السيدان هنا