هو بكونهم عدولا لا بلفظ الشهادة لان التعليق لو كان بالشهادة لم يكن في الكلام شبهة من حيث كانت الشهادة لا تدل بنفسها على كونها حجة كما يدل العدالة ولو تعلق متعلق بكونهم شهودا ويذكر شهادتهم لم يجد بدا من اعتبار العدالة والرجوع إليها وإذا كانت الصغاير لا يؤثر في العدالة ولا يمتنع وقوعها على مذهب المعتزلة من العدل المقبول الشهادة فما الموجب من الآية نفيها عن الأمة ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يكونوا شهداء في الدنيا والآخرة معا وبين أن يكونوا شهداء في الآخرة دون الدنيا واستدلوا أيضا بقوله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر فلا يجوز ان يقع منها خطأ لان ذلك يخرجها من كونها خيار ويخرجهما أيضا من كونها امرة بالمعروف وناهية عن المنكر الا أن يكون آمرة بالمنكر وناهية عن المعروف ولا ملجاء من ذلك الا بالامتناع من وقوع شئ من القبايح من جهتهم والكلام على هذا الدليل مثل الكلام على الآية التي ذكرناها قبل هذه الآية على حد واحد من المنازعة في أن تكون لفظة الأمة يستحق الجمع والشمول ومع التسليم انها تشتمل جميع أهل الاعصار دون أهل كل عصر وفي انه لا يجوز ان يوصفوا بأنهم خيار إلا وكل واحد منهم بهذه الصفة وفي ان أكثر ما تقتضيه الآية ان لا يقع منهم ما يخرجهم من كونهم خيارا من الكباير ولا يجب من ذلك الا يقع منهم الصغير الذي ينحبط عقابه ولا يخرجهم من كونهم بهذه الصفة فالكلام في الاثنين على حد واحد ويمكن أن يقال في هذه الآية وفي التي تقدمت ان المراد بها قوم معنيين (معينون خ ر) لما يتضمنان من حرف الإشارة في المخاطبين وليس فيهما ما يقتضى لفظ العموم لان ألفاظ العموم معلومة وليس فيهما شئ منها فان رجعوا إلى ان يقولوا لو كان المراد به ما دون الاستغراق لبين قيل لهم ولو كان المراد بها الاستغراق لبين وإذا تقابل القولان سقط الاحتجاج بالآية وكان ما يسئل على هذه الطعون فقد مضى الجواب عنه في الآية المتقدمة فلا وجه لتكراره واستدلوا أيضا بقوله تعالى فاتبع سبيل من أناب إلى قالوا فأوجب الله تعالى اتباع سبيل من أناب إليه وهم المؤمنون لهم المختصون بهذه الطريقة والكلام في هذه الآية كالكلام في الآيات المتقدمة وأكثر ما اعترضنا به عليها فهو اعتراض على هذه الآية أيضا ومما يختص بهذه الآية ان الإنابة حقيقتها في اللغة هي الرجوع وانما يستعمل في التايب حيث رجع عن المعصية إلى الطاعة وليس يصح اجزاؤها على المتمسك بطريقة واحدة لم يرجع إليها من غيرها على سبيل الحقيقة ولو استعمل فيما ذكرناه لكان مستعملها متجوزا عند جميع أهل اللغة وإذا كانت حقيقة الإنابة في اللغة هي الرجوع لم يصح اجراء قوله تعالى واتبع سبيل من أناب على جميع المؤمنين حتى يعم بها من كان متمسكا بالايمان وغير خارج عن غيره إليه ومن رجع عن اعتقاده وأناب إليه بعد ان كان على غيره لأنا لو فعلنا ذلك لكنا عادلين باللفظة عن حقيقتها من غير ضرورة فالواجب أن يكون ظاهرها متناولا للتأسي من المؤمنين الذين أنابوا إلى الايمان وفارقوا غيره وإذا تناولت هذا لم يكن دلالة على مكان الخلاف بيننا وبين خصومنا
(٧٣)