وصوابا فإنه يقال لهم كما تقولون ان اجماع أهل كل عصر حجة وليس اجماع كل فرضنا حجة فان قيل بأي شئ يشهد جميعهم وهم لا يصح ان يشاهدوا كلهم شيئا واحدا فيشهدوا به قيل لهم قد يصح الشهادة بما لا يشاهد من المعلومات كشهادتنا بتوحيد الله تعالى وعدله ونبوة أنبيائه إلى غير ذلك مما يكثر تعداده ولو قيل أيضا فعلى من تكون الشهادة إذا كان جميع أهل الاعصار هم الشهداء قلنا تكون شهادتهم على من لا يستحق ثوابا ولا يدخل تحت القول من الأمة ويصح أيضا أن يشهدوا على باقي الأمم الخارجين عن المسألة وكل هذا غير مستبعد ويمكن أيضا ان يقال في أصل تأويل الآية ان قوله تعالى جعلناكم أمة وسطا إذا سلموا ان المراد به جعلناكم عدولا خيارا لا يدل أيضا على ما يريد الخصم لأنه لم يبين هل جعلهم عدولا في كل أقوالهم وافعالهم أو في بعضها فالقول مجمل و يمكن أن يكون تعالى أراد انهم عدول فيما يشهدون به في الآخرة أو في بعض الأحوال فان رجع راجع إلى أن يقول اطلاق القول ليقتضي العموم وليس هو بأن يحمل على بعض الأحوال أو الأمور أولى من بعض فقد مضى الكلام على ما يشبه هذا مستقصى فاما حملهم الأمة على النبي صلى الله عليه وآله حجة من حيث كان شهيدا بل من حيث كان نبيا ومعصوما فتشبيه أحد الامرين بالاخر من البعيد ومما يسقط التعلق بالآية أيضا ان قوله تعالى لتكونوا شهداء على الناس يقتضى حصول واحد منهم بهذه الصفة لان ما جرى هذا المجرى من الأوصاف لابد أن يكون حال الواحد فيه كحال الجماعة الا ترى انه لا يسوغ ان يقال في جماعة انهم مؤمنون الا وكل واحد منهم مؤمن وكذلك لا يسوغ أن يقال في جماعة انهم شهداء الا وكل واحد منهم شهيد لان شهداء جمع شهيد كما ان مؤمنين جمع مؤمن هذا يوجب أن يكون كل واحد من الأمة حجة مقطوعا على صواب فعله وقوله وإذا لم يكون هذا مذهب الاحد وكان استدلال الخصم بالآية موجبة فسد قولهم ووجب صرف الآية إلى جماعة يكون كل واحد منهم شهيدا وحجة وهم الأئمة عليهم اللام الذين قد ثبتت عصمتهم وطهارتهم على ان الآية لو تجاوزنا عن جميع ما ذكرناه فيها لا يقتضى كون جميع أقوال الأمة وأفعالها حجة انها غير مانعة من الصغاير وقوع التي لا تسقط العدالة منهم فان أمكن تمييز الصغاير من غيرها كانوا حجة فيما قطع عليه وان لم يكن وعلم في الجملة أن الخطاء الذي يكون كبيرا ويؤثر في العدالة مأمون منهم وغير واقع من جهتهم وان ما عداه مجوز عليهم فسقط بما ذكرناه تعلق المخالف بالآية في نصرة الاجماع وليس لاحد أن يقول ان كونهم عدولا كالعلة والسبب في كونهم شهداء وانه قد صح في (العقل ظ) التعبد انه لا يجوز أن ينصب للشهادة الا من يعلم عدالته أو تعرف الامارات التي تقتضي غالب الظن وصح أن من ينصبه الغالب الظن إذا تولى الله عصمته نصبه يجب أن يعلم من حاله ما يظنه وإذا ثبت ذلك لا يخلو من أن يكونوا حجة فيما يشهدون أولا يكونون فان لم يكونوا حجة بطلت شهادتهم
(٧١)