فذلك تعبد من الله تعالى ابتداء وليس يجب إذا امر بفعل تعبد به موسى ان يكون النبي (ع) متعبدا بشريعته لأنه لا فضل بين أن يتعبده بذلك الفعل بأن يذكره وبين صفته وبين أن يلزمه ويضيقه إلى موسى (ع) لان في الحالين جميعا هو تعالى المتعبد به واما من قال انه (ع) كان متعبدا بشريعة موسى وقال انه لا يصح أن يعرف الشريعة من جهته فقد ناقض لان التعبد بشريعة يقتضى صحة العلم بها من جهته واما من قال انه تعبد بأشياء من شريعته بأمر مبتدء أو امر أن يرجع في معرفة ذلك إليهم فالذي يدل على بطلان قوله ما قدمناه من الأدلة وان كان هذا الوجه لا يقتضى كونه متعبدا بشريعتهم إذا امر بذلك امرا مبتدء لو صح ما ادعوه فكيف وذلك لا يصح واعلم ثم انه لولا ما قدمناه من الدليل على كونه أفضل الأنبياء (ع) ما كا يمتنع غدا أن يتعبد بشريعة من تقدم من الأنبياء لأنه كما يجوز أن يتعبد بخلاف شريعتهم جاز أيضا أن يتعبد بمثل شريعتهم لان المصالح تختلف وتتفق وكلا الامرين يجوز فيها فلا يمتنع ان يعلم الله تعالى ان صلاح النبي الثاني وصلاح أمته بخلاف شريعة الأول فيتعبده به وعلى هذه جرت سنة الله تعالى في أكثر الأنبياء ولا يمتنع أيضا ان يعلم صلاح الثاني وأمته في مثل شريعة الأول فيتعبدوا بها وليس لاحد أن يقول ذلك لا يجوز لأنه لو كان كذلك لم يكن في بعثة النبي (ع) الثاني واظهار المعجز على يديه فايدة لان شريعته معلومة من جهة غيره وذلك انما يجوز بعثة النبي الثاني بشريعة النبي الأول إذا كانت تلك الشريعة قد اندرست وصارت بحيث لا يعلم الا من جهة النبي الثاني أو بأن يكون النبي الأول مبعوثا إلى قوم بأعيانهم ويبعث الثاني إلى غيرهم أو أن يراد في شريعة الثاني زيادة لا يعلم الا من جهته فهذه الوجوه تخرج بعثته من أن تكون عبثا فان قيل كيف يجوز هذا التقدير على ان ما تعتقدون أنتم من ان كل شرع لابد له من حافظ معصوم لا يجوز عليه الغلط وإذا كان لابد له من ذلك على مذهبكم فمتى اندرست الشريعة أمكن الرجوع إليه فيها فلا يحتاج إلى نبي اخر قيل له نحن انما نوجب حافظا للشرع معصوما إذا علمنا ارتفاع الوحي وانقطاع النبوة ويعلم ان التواتر لا يمكن حفظ الشرع به لأنه يجوز أن يصير آحادا فإذا لابد لها من حافظ معصوم وليس كذلك في الشرايع المتقدمة لأنه لا يمتنع أن تكون تلك الشرايع محفوظة بالتواتر فمتى فرضنا انها صارت آحادا بحيث لا ينقطع عذر المكلفين بنقلها بعث الله تعالى نبيا اخر بينها (بينها) ويستدركها هذا إذا فرضنا بقاء التكليف بالشريعة الأولة على من يجيئ فبما بعد فاما إذا فرضنا انه يجوز أن يكون التكليف للشريعة الأولى إذا صارت آحادا قد ارتفع و وجب التمسك بما في العقل فإذا كان ذلك لا يجب أن يكون لها حافظ ولا بعثة نبي اخر وكان يجوز أيضا ان يتعبد باخبار الآحاد إذا صارت الشريعة إلى حد لا ينقل الا من جهة الخبر الواحد
(٦٢)