أن يأتي بعد ذلك استثناء يدل على انه أراد بعض ما تناوله اللفظ الأول وكذلك لا يفهم بالكلام حقيقة ما وضع بأن يأتي في المستقبل دليل يدل على انه أراد المجاز وهذا يؤدى إلى ما قدمناه من ان لا يفهم بالكلام شئ أصلا وذلك فاسد على ان الذي ذكروه لو حسن تأخير الاستثناء لحسن تأخير المبتداء عن المبتداء مثلا أن يقول القائل اليوم زيد ويقول غدا قائم ويقرن به من الكلام ما يدل على انه متعلق بما تكلم به أمس فان ارتكبوا ذلك كان قبحه معلوما وان راموا الفصل لم يجدوه وإذا ثبت ما قلناه عن وجوب اتصاله بالكلام فمن حقه أن يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته وقد دللنا على ذلك في باب ان العموم له صيغة بما بيناه من ان الاستثناء في الاعداد يفيد ذلك فينبغي ان يكون ذلك حقيقة واستوفيا الكلام فيه فاما استثناء الأكثر من اللفظ والأقل فذهب أكثر المحصلين من المتكلمين والفقهاء وأهل اللغة إلى ان استثناء الأكثر من اللفظ يجوز وقال بعضهم انه انما يحسن استثناء الأقل فاما استثناء الأكثر فلا يجوز لان ذلك لم يوجد مستعملا والذي يدل على صحة ذلك ان الاستثناء يخصص للكلام الأول كما يجوز أن يخص اللفظ ويخرج منه الأكثر فكذلك حكم الاستثناء لأنه بعض أدلة التخصيص وأيضا إذا كان من حقه ان يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته فلا فرق بين أن يخرج الأكثر والأقل في أنه على حد واحد فاما قول من خالف في ذلك لم يستعمل فلا يبطل ما قلناه لأنه كلما قل استعماله لم يحسن ولو لزم ذلك للزم أن لا يحسن استثناء النصف من الكلام وما يقارب النصف لان ذلك أيضا غير مستعمل وذلك لا خلاف في جوازه فاما الاستثناء من غير الجنس فلا يمكن دفع استعماله لأنهم قالوا ما في الدار أحد الا وتد وقالوا وبلدة ليس لها أنيس الا اليعافير والا العيس ووتد ليس من أحد ولا اليعافير من جملة الأنيس وغير ذلك غير انه وان كان مستعملا فإنه مجاز وذهب قوم إلى أنه حقيقة والذي يدل على ما قلناه انا قد بينا ان من حق الاستثناء أو يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته ونحن نعلم ان القائل لو قال ما في الدار أحد ولم يستثن لم يفهم من ذلك الا نفي العقلاء ولا يفهم منه نفي الأوتاد فإذا قال الا وتد فينبغي ان لا يكون استثناء حقيقة ويكون مجازا لأنه لم يدخل في الكلام الأول فكذلك لو قال بلدة
(١٢٤)