هذا السؤال يمكن أن يجعل فرقا بين النسخ وتخصيص العموم وسقط بذلك أصل الدليل وذلك انهم إذا جعلوا ذلك فرقا بين التخصيص والنسخ قيل لهم لا فرق بين النسخ والتخصيص في المعنى لان التخصيص هو اخراج بعض ما يتناوله لفظ العموم من الأعيان منه والنسخ اخراج بعض ما يتناوله دليل النص من الأزمان منه فهما سواء في المعنى فما منع من أحدهما منع من الاخر على انه لا يمكن أن يجوز النسخ بالقياس الا من يقول بتخصيص العلة ومن لم يجز تخصيص العلة لا يمكنه ارتكابه على حال وقد أجاب بعض أصحاب الشافعي عما ألزمناهم بان النسخ انما لم يصح فيه لان كونه ناسخا للنص ينبئ عن ان النص بخلافه والقياس لا يصح إذا دفعه النص وخصه فكان النسخ به يوجب النسخ بقياس فاسد وهذا لا يجوز وهذا بعينه يمكن أن يقال في المنع من تخصيص العموم به لان العموم أيضا نص وما يؤدى إلى تخصيصه ينبئ عن ان ظاهره بخلافه والقياس لا يصح إذا دفعه النص وكان التخصيص به يوجب التخصيص بقياس فاسد وهذا ما لا فصل فيه ويدل أيضا على ذلك على ان القياس انما يسوغ مع عدم النص للاضطرار إليه وعموم الكتاب نص يعنى عنه ولا يسوغ استعماله وخلافه نص حتى يخص به وليس لهم ان يقولوا انه إذا خص العموم يكون مستعملا فيما لا نص عليه لأنه قد يبين به انه لم يرد ذلك بالعموم إذا لم يكن مرادا به فقد استعمل القياس فيما لم يدخل تحت النص وذلك ان الذي قالوه غير صحيح لأنه لو لم يستعمل ذلك القياس لكان ما يتناوله داخلا تحت النص فيجب بطلانه لأنه قد استعمل فيما لولاه لدخل تحت النص فان قالوا النص انما يتناول ذلك لو لم يصح القياس فاما إذا صح ذلك القياس لم يدخل تحته فقد حصل ان القياس إذا استعمل فيما يخص به العموم لا يكون مستعملا فيما يتناوله قيل لهم ومن سلم ان القياس الذي يوجب تخصيص العموم قياس صحيح وليس يعلم ان من قال بالمنع من تخصيص العموم به يقول ان بظاهر العموم احكم بأن كل قياس يؤدى إلى تخصيصه قياس باطل ولو سلم ان ذلك قياس صحيح لكان قد سلمت المسألة فعلم بجميع ذلك صحة ما نصرناه ويدل أيضا على صحة ما قدمناه خبر معاذ وان النبي صلى الله عليه وآله لما بعثه إلى اليمن قال له بم تقضى قال بكتاب الله ثم سنة رسوله صلى الله عليه وآله فقال له (ع) فان لم تجد قال اجتهد برأيي فصوبه رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك وهذا يقتضى ان القياس انما يسوغ استعماله إذا لم يوجد في الكتاب ما يدل على الحكم الذي يستعمل فيه فمتى وجد فيه بطل استعماله وإذا بطل
(١٤٠)