بعدهم قد ظهرت عنهم مذاهب كثيرة فيما طريقه العلم والدليل القاطع من غير أن يظهر عنه أو ينقل ما كان دليله بعينه لأي طريق قال بذلك المذاهب وأعتقده؟
فان قالوا: فقد تناظروا ورد بعضهم على بعضهم ولم يذكر عنهم احتجاج بنص.
قلنا: ليس يمكن أن يحكى عنهم في مسألة الحرام وغيرها من المسائل انهم اجتمعوا فيها لمناظرة ومنازعة، وحاج بعضهم بعضا، ورد بعضهم على بعض، ولم يذكروا أدلة النص، ولا وردت بشئ من ذلك رواية! وأكثر ما روى إضافة هذه المذاهب إلى القائلين بها.
على أنهم ان كانوا تناظروا وتنازعوا فلابد من أن يظهر كل واحد منهم وجه قوله، سواء كان نصا أو قياسا، وفي مثل هذه الحال لا يسوغ الاعراض عن ذكر وجه القول وان جاز في غيرها، ولهذا لا نجد أحدا من الفقهاء ينازع خصومه ويرد مذاهبهم عليهم على سبيل المناظرة، ولا يظهر وجه قياسه والعلة التي من اجلها ذهب إلى ما ذهب إليه، بل لابد له من تحرير علله وتهذيبها والاحتراز فيه من النقض، وإذا كنا لم نجد رواية منهم بوجه قياسه وبالعلة التي من اجلها جمع بين الامرين اللذين شبه أحدهما بالآخر، فيجب أن ينفى عنهم القول بالقياس ان كان ما فرضتموه صحيحا.
فان قالوا: من شأن العلماء أن يذكروا النصوص الشاهدة لأقوالهم ومذاهبهم لترتفع عنهم التهمة في الخطاء أو القول بغير دليل.
قلنا: ومن شأنهم أن يذكروا الوجه القياسي المصحح لمذاهبهم، لترتفع عنهم التهمة.
وبعد: فلعل القوم كانوا آمنين من أن يتهموا بالتخيت (1) والاعتقادات المبتدأة فلم يحتاجوا إلى ذلك.
فان قالوا: ليس نجد في نصوص الكتاب والسنة ظاهرا ولا دليلا يدل على هذه المذاهب التي حكينا اختلافهم فيها، الا ان يدعوا نصوصا غير ظاهرة، بان اختص كل