عدة الأصول (ط.ج) - الشيخ الطوسي - ج ٢ - الصفحة ٥٠١
بالإسائة عندنا لا يبطل شكر النعمة، وإنما يستحق بها الذم والعقاب فيمن يصح ذلك فيه لا غير.
والقسم الآخر: لا يصح معنى النسخ فيه لأنه لا يصح خروجه عن كونه لطفا ، وذلك نحو وجوب المعرفة بالله تعالى وصفاته، ونحو وجوب الرياسة التي نوجبها عقلا، فإنه لا يصح خروج ذلك أجمع عن كونها لطفا، فإذا لا يصح معنى النسخ فيها أصلا.
فأما ما يصح معنى النسخ فيه: فهو كل فعل يجوز أن يتغير من حسن إلى قبح، فيقع على وجه فيكون حسنا وعلى آخر فيكون قبيحا، ويقع في وقت فيكون حسنا، وفي آخر فيكون قبيحا، ويقع من شخص فيكون حسنا، ومن آخر فيكون قبيحا، وذلك نحو المنافع والمضار، ولا اعتبار في ذلك بجنس الفعل، بل الاعتبار في ذلك بالوجوه التي يقع عليها الفعل، وعلى ذلك جميع الشرعيات لأنها قد تكون واجبة في وقت دون آخر، وعلى شخص دون غيره، وعلى وجه دون آخر ألا ترى أن القعود في موضع مباح قد يكون حسنا ثم يعرض فيه وجه قبح بأن يخاف سبعا أو لصا أو وقوع حائط عليه وما شاكله، فيصير القعود نفسه قبيحا.
ولما ذكرناه اختلفت الشرايع ودخل النسخ فيها، واختص بعض المكلفين بما لم يشركه فيه غيره، وذلك أن الإمساك في السبت كان واجبا في شرع موسى عليه السلام، ثم صار قبيحا في شرع نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وغير ذلك من الشرائع. ويجب على الحائض ترك الصلاة والصوم ولا يجب ذلك على غيرها، بل يكون ذلك قبيحا منه، فعلى هذا ينبغي أن يجري هذا الباب.
فأما النسخ في الأخبار: (1) فقد اختلف العلماء في ذلك:

(١) النسخ في الأخبار إما أن يكون لنسخ أصل الخبر أو لنسخ ودلوله وفائدته:
أما الأول: أما أن يختص النسخ بتلاوته أو يتعلق بتكليفنا بذلك الخبر، بأن نكون قد كلفنا أن نخبر بشئ فينسخ عنا التكليف ووكل واحد من الأمرين جائز بين الأصوليين القائلين بجواز النسخ، لأن نسخ التلاوة مطلقا أو نسخ تكليف الأخبار يعدان من الأحكام الشرعية، فجاز أن يكون مصلحة في وقت فيثبته الشارع ومفسدة في آخر فينسخه، وهذا مما لا خلاف فيه وقد اتفق الجميع على إمكان ثبوته ونسخه، إنما الخلاف في أنه هل يجوز أن ينسخ تكلفنا بالأخبار عما لا يتغير بتكليفنا بالأخبار بنقيضه أم لا؟
قالت المعتزلة: انه لا يجوز ذلك لأنه كذب، والتكليف بالكذب قبيح على الشارع بناء على أصل التحسين والتقبيح العقليين: وإنه يلزم على الله تعالى رعاية المصلحة في أوامره ونواهيه.
أما الثاني: إن مدلول الخبر وثمرته اما أن يكون مما لا يتغير ويعد من الثوابت الضرورية، كمدول الخبر بوجود الإله وحدوث العالم وبعثة الأنبياء، أو مما يتغير وليس له ثبوت بالضرورة. أما الأول منسخه محال بالإجماع، وأما الثاني فقد اختلف الأصوليون والمتكلمون في حكمه على أقوال:
١ - المنع من النسخ: قالوا: إن الأخبار عما يتغير مدلوله وثمرته سواء كان ماضيا كالإخبار عن إيمان زيد وكفره، أو مستقبلا، وسواء كان وعدا أو وعيدا أو حكما شرعيا فإنه يمتنع دفعه، وهو مذهب القاضي أبي بكر الباقلاني، والجبائيان وأبي إسحاق الشيرازي، وابن حزم الأندلسي.
٢ - الجواز: وهو مذهب القاضي عبد الجبار، وأبي عبد الله البصري، وأبي الحسين البصري، والبيضاوي.
٣ - التفصيل بيت الخبر الماضي والمستقبل: فمنع في الماضي وجوز في المستقبل، وهو مذهب أبي بكر الدقاق، ومحمود بن عبد الرحمن الإصفهاني.
انظر: " الذريعة ١: ٤٢٧ - ٤٢٦، الأحكام للآمدي ٣: ١٣٠، اللمع: ٥٧، شرح اللمع ١: ٤٨٩، شرح المهاج ١: ٤٧٥، المعتمد ١: ٣٨٧، الأحكام لابن حزم ٤: ٤٧٤، ميزان الأصول ٢: ٩٩٣ أصول السرخسي ٢: ٥٩ ".
(٥٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 496 497 498 499 500 501 502 503 504 505 506 ... » »»
الفهرست