القطع على صحة القياس، وقول القوم به بما لا يحتمل التأويل.
فاما قول بعضهم (1): انهم فعلوا ذلك تشددا واحتياطا للدين حتى لا يقول الفقهاء على القياس، ويعدلوا عن تتبع الكتاب والسنة.
فظاهر السقوط، وذلك أن التشدد لا يجوز أن يبلغ إلى انكار ما أوجبه الله تعالى، أو فسخ فيه، ولا يقتضى أن يخرجوا انكارهم المخرج الموهم لانكار الحق، ولو كان ذلك غرضهم لوجب أن يصرحوا بذم العدول عن الكتاب والسنة، والاعراض عن تأملهما والتشاغل بغيرهما من غير أن يطلقوا انكار القياس والرأي الذين هما عندكم أصلان من أصول الدين تاليان للكتاب والسنة والاجماع!
على أنه يمكن أن يقال لهم: مع تسليم ارتفاع النكير، لم أنكرتم ان يكون بعض الصحابة الذين حكيتم عنهم الاختلاف في مسألة الحرام وغيرها قد رجع في مذهبه إلى القياس، وهو من كان قوله منهم أبعد من أن يتناوله شئ من ظواهر الكتاب والسنة؟ وأن يكون الباقون رجعوا في مذاهبهم إلى النصوص وأدلتها؟ غير أن من ذهب إلى القياس منهم لم يظهر وجه قوله، ولا علمت الجماعة انه قاله قياسا، ولو علموا بذلك لأنكروه، غير أنهم لا يعلمونه وأحسنوا الظن بالقائل وظنوا انه لم يقل الا عن نص أو طريق يخالف القياس.
وليس يجب أن يكون وجه قول كل واحد منهم على التفصيل معلوما للجماعة، ومتى أوجبوا ذلك وادعوه طالبنا هم بالدليل على صحته ولن يجدوه، وهذا أيضا مما لا انفكاك لهم منه.
واستدلوا أيضا بأن (1) قالوا: قد ظهر عن الصحابة القول بالرأي وإضافة المذاهب إليه، ولفظة " الرأي " إذا أطلقت لم تفد القول بالحكم من طريق النص، لان ما طريقه العلم لا يضاف إلى الرأي جليا كان الدليل أو خفيا، ولا يستفاد من ذلك الا القول من طريق القياس والاجتهاد، والأخبار الواردة في ذلك كثيرة: