بل على سبيل التقريب (1) والافهام، فيقول من ينفى القياس مثلا: المصاحفة والمعانقة يجريان مجرى المجامعة في نقض الطهر، وان لم يكن حاملا لهما عليها بالقياس، بل يذهب إلى تناول ظاهر اللفظ للكل، فلو نقل عنهم التصريح بالتمثيل والتشبيه لم يكن فيه دلالة على أن (2) القياس ليس هو ان يقول القائل: الحكم في هذا الشئ التحريم كما كان في غيره مما تناول النص تحريمه، بل القياس هو أن يثبت للمسكوت عن حكمه مثل حكم المنطوق بحكمه لعلة جمعت بينهما، وتكون العلة معلومة متميزة مستدلا على كونها علة من دون سائر صفات الأصل بالدليل، وهذا مما لا يروى عن أحد من الصحابة انه استعمله على وجه من الوجوه، فكيف يدعى مع ذلك التصريح منهم بالقياس؟
فاما ادعائهم انهم صرحوا بالقياس وتعلقوا في ذلك بما روى عن ابن عباس من قوله: " الا يتقى الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أب الأب أبا " (3)، وما روى من التشبيه بغصني شجرة وبجدولي نهر، فلان تعلق بمثله: لان أول ما فيه انه لا يجب أن يعتمد في ايجاب العلم بالقياس على وجه واحد غير مقطوع به، لان هذه المسألة من المسائل المعلومة التي لا يعتمد فيها الا الأدلة الموجبة للعلم، وما رووه عن ابن عباس وغيره من اخبار الآحاد التي لا يقطع بها، فكيف يستدل بها لو كان فيها دلالة وهي غير معلومة؟
وليس لاحد أن يدعى الاجماع على صحة الاخبار من حيث تلقوا هذه الأخبار بالقبول، أو يدعوا تواترها وانتشارها.
وذلك انها وان ظهرت بين الفقهاء، وذكرت في كتب الفرائض، فلا شبهة في أنها اخبار آحاد.