والظن في كل هذه الوجوه لا يقوم مقام العلم، لأنه متى لم يكن عالما بما ذكرناه أولا، أو متمكنا من العلم به، لم يكن علته مزاحة فيما يعتد به وجرى مجرى الا يكون قادرا، لأنه متى لم يعلم الفعل ويميزه لم يتمكن من القصد إليه بعينه، وبالظن لا يتميز الأشياء، وانما تتميز بالعلم، ومتى لم يكن عالما بوجوب الفعل كان مجوزا كونه غير واجب، فيكون متى أقدم عليه مقدما على ما لا يأمن كونه قبيحا، والاقدام على ذلك في القبح يجرى مجرى الاقدام على ما يعلم قبحه.
ومتى علم كونه واجبا، فلابد من أن يعلم وجه وجوبه على جملة أو تفصيل، لأنه لو كان ظانا لوجه وجوبه كان مجوزا انتفاء وجه الوجوب عنه، ودعا الامر إلى تجويز كونه غير واجب.
وهذه الجملة إذا تؤملت بطل بها قول من أنكر تعلق الاحكام بالظنون.
ومن توهم على من سلك هذه الطريقة انه قد أثبت الاحكام بالظنون فقد أبعد نهاية البعد، لان الاحكام لا تكون الا معلومة ولا تثبت الا من طريق العلم، إلا أن الطريق إليها قد يكون تارة العلم وأخرى الظن، لأنا (1) إذا ظننا في طريق سبعا وجب علينا تجنب سلوكه، فالحكم الذي هو قبيح سلوكه ووجوب تجنبه معلوم لا مظنون.
وان كان الطريق إليه هو الظن، ومتعلق الظن غير متعلق العلم، لان الظن يتعلق بكون السبع في الطريق، والعلم يتعلق بقبح سلوك الطريق، والقول في العلم بوجوب التوجه إلى جهة القبلة عند الظن بأنها في بعض الجهات يجرى على ما ذكرناه، ويكون الحكم فيه معلوما وان كان الطريق إليه مظنونا.
فاما من منع من القياس من حيث يؤدى إلى تضاد الاحكام، فاعتماده على أن يقول: إذا كان للفرع شبه بأصل محرم واصل محلل، فلابد على مذهب القايسين (2) من رده إليهما جميعا، وهذا يؤدى في العين الواحدة إلى أن يكون محرمة محللة.