اتفاق وجوه المصالح.
وأقوى ما يدخل على هذه الطريقة ان يقال: قد بينتم استناد الظنون إلى العادات والتجارب، وان الشرع لا يتم ذلك فيه، وهذا صحيح، فلم أنكرتم ان تحصل فيه طريقة يحصل عندها الظن وان لم تكن عادة ولا تجربة؟
بل يجرى في حصول الظن عندها مجرى ما ذكرتم، وهذا مثل ان نجد العين المسمات خمرا يحصل على صفاته كثيرة، فتكون مباحة غير محرمة، فمتى وجدت فيها الشدة المخصوصة حرمت، ومتى خرجت عن الشدة بأن تصير خلا حلت، فيظن عند ذلك أن العلة هي الشدة، لان الذي ذكرناه من حالها امارة قوية على كونها علة، فمتى انضم إلى هذا الظن التعبد بالقياس وان يحمل ما حصل فيه علة التحريم من الفروع على الأصول، ساغ القياس وصح ولم يمنع منه مانع.
وهكذا إذا رأينا بعض صفات الأصل هي المؤثرة في الحكم المعلل دون غيره، كانت بان تجعل علة أولى من غيرها، وقوي الظن في أنها العلة.
مثال ذلك: انا إذا أردنا ان نعلل ولاية المرأة على نفسها وملكها لأمرها، ووجدنا بلوغها هو المؤثر في هذا الحكم مع سلامة أحوالها في الحرية والعقل دون كونها مزوجه، لان التزويج متى اعتبر لم يوجد له تأثير في باب الولاية وما يرجع إليها، وللبلوغ التأثير القوى فيها جعلناه العلة دون التزويج.
ويكفي ان يقال لمعتمدي هذه الطريقة: لم زعمتم ان الظن إذا استند في بعض المواضع إلى عادة فإنه لا يقع في كل موضع الا على هذا الوجه، وان العادة لا يقوم مقامها غيرها؟ فإنهم لا يجدون معتصما!
ويمكن أيضا ان يقال لهم: خبرونا عمن ابتداه الله تعالى كاملا في بعض الدور، معه صاحب له، جالس عنده، وهو لا يعرف العادات، ولا سمع الاخبار عنها، الا انه وجد الصاحب (1) الجالس معه حتى دخل إليه (2) بعض الناس، انصرف وخرج