ومن أثبت القياس يقول في جواب ذلك أن كان الفرع مشتبها لأصل محرم واصل محلل عند اثنين، لزم كل واحد منهما ما أداه اجتهاده إليه، فيلزم التحريم من أشبه عنده الأصل المحرم، والتحليل من أشبه عنده الأصل المحلل، ولا تضاد في ذلك وان (1) أشبه الأصلين المختلفين عند واحد، فهو عند كثير منهم يكون مخيرا بين الامرين، فأيهما اختار لزمه، كما يقال في الكفارات الثلاث، ولا تضاد في ذلك.
وعند قوم منهم: انه لابد في هذا الموضع من ترجيح يقتضى حمل الفرع على أحدهما دون صاحبه.
فاما من أبطل القياس من حيث لا طريق إلى غلبة الظن في الشريعة - وهي الطريقة التي حكيناها عن شيخنا رحمه الله - فوجه اعتماده عليها ان نقول: من قد علمنا أن القياس لابد فيه من حمل فرع على أصل بعلة أو شبه والعلة التي يتعلق الحكم بها في الأصل لا يصح من أن يكون طريق اثبات كونها علة العلم أو الظن، والعلم لا مدخل له في هذا الباب.
وجميع من أثبت القياس في الشرع - الا الشذاذ منهم - يجعلون العلة المستخرجة المستدل عليها تابعة للظن، وانما يجعلها معلومة من طريق الاستخراج من حيث اعتقد ان العلل الشرعية أدلة توصل إلى العلم كالعقليات، وقول هؤلاء واضح البطلان لا معنى للتشاغل به.
ولأنا إذا بينا ان الظن لا يصح حصوله في علل الشرع، فالأولى ان لا يحصل العلم، وان كان العلة تثبت علة بالظن، فنحن نعلم أن الظن لابد له من امارة وطريق، وإلا كان مبتدأ لا حكم له.
وليس في الشرع امارة على أن التحريم في الأصل المحرم انما كان لبعض صفاته، فكيف يصح ان يظن ذلك؟ وليس هذا ما لا يزالون يمثلون به من ظن الربح، والخسران، أو التجارة، أو الهلاك، وان القبلة في جهة مخصوصة، وغلبة الظن في قيم