ويستمنحونه الهدى، ويحكمونه في نفوسهم، وفي كل ما يتصل بهم، كما كان آباؤنا الأولون يتلونه حق تلاوته، بتدبر وتفكر في مجالسهم ومساجدهم وأنديتهم، وبيوتهم، وفي صلواتهم المفروضة والنافلة، وفي تهجدهم بالليل والناس نيام، حتى ظهرت آثاره الباهرة عاجلة فيهم، فرفع نفوسهم، وانتشلها من حضيض الوثنية وأعلى هممهم، وهذب أخلاقهم، وأرشدهم إلى الانتفاع بقوى الكون ومنافعه وكان من وراء ذلك أن مهروا في العلوم والفنون والصناعات، كما مهروا في الاخلاف والآداب والاصلاح والارشاد، ووصلوا إلى غاية بزوا فيها كل أمم الدنيا، حتى قال بعض فلاسفة الغرب في كتابه (تطور الأمم) ما نصه: " إن ملكة الفنون لا تستحكم في أمة من الأمم إلا في ثلاثة أجيال، جيل التقليد، وجيل الخضرمة، وجيل الاستقلال، وشذ العرب وحدهم فاستحكمت فيهم ملكة الفنون في جيل واحد ".
مما تقدم يتبين أن فائدة التفسير هي التذكر والاعتبار، ومعرفة هداية الله في العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق ليفوز الافراد والمجاميع بخير العاجلة والآجلة.
ويتبين أن هذا العلم من أشرف العلوم العربية والدينية، إن لم يكن أشرفها جميعها، وذلك لسمو موضوعه، وعظم فائدته. ه ملخصا من مناهل العرفان.
والتفسير ينقسم إلى قسمين: بالمأثور، وتفسير بالرأي.
هو ما جاء في القرآن أو السنة أو كلام الصحابة بيانا لمراد الله تعالى من كتابه:
(1) مثال ما جاء في القرآن قوله سبحانه (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) فإن كلمة - من الفجر - بيان وشرح للمراد من كلمة " الخيط الأبيض " التي قبلها.
(2) مثال ما جاء في السنة شرحا للقرآن، أنه صلى الله عليه وسلم فسر الظلم بالشرك في قوله سبحانه:
(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون) وأيد تفسيره هذا بقول الله تعالى (إن الشرك لظلم عظيم).
(3) مثال ما جاء عن الصحابة: روي أن رجلا أتى ابن عمر يسأله عن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما، فقال: اذهب إلى ابن عباس، ثم تعال أخبرني، فسأله فقال: كانت السماوات رتقا لا تمطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت، ففتق هذه بالمطر وهذه بالنبات، فرجع إلى ابن عمر فأخبره، فقال: قد كنت أقول ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قد علمت أنه أوتي علما ".
وقد اشتهر من الصحابة بالتفسير: الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن خلف وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير.
ومن المفسرين بالمأثور:
(1) ابن جرير الطبري المتوفى سنة 310 ه، كان فريد عصره، ووحيد دهره علما وعملا، وحفظا لكتاب الله، وخبرة بمعانيه، وإحاطة بالآيات ناسخها ومنسوخها، وبطرق الرواية صحيحها وسقيمها، وبأحوال