دبره، وقدره، وفسره. ومنه قوله تعالى (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله).
وكل ما يدور من معاني التأويل يعود إلى البيان والكشف والايضاح. أما التأويل في اصطلاح المفسرين فيختلف معناه. فبعضهم يرى أنه مرادف للتفسير، وعلى هذا فالنسبة بينهما التساوي، ويشيع هذا القول عند المتقدمين، ومنه قول مجاهد: إن العلماء يعلمون تأويله يعني القرآن، وقول ابن جرير في تفسيره: القول في تأويل قوله تعالى كذا... واختلف أهل التأويل في هذه الآية... ".
وبعضهم يرى أن التفسير يخالف التأويل، ويجعل التفسير أعم مطلقا، وكأنه يريد من التأويل بيان مدلول اللفظ بغير المتبادر منه لدليل، ويريد من التفسير بيان مدلول اللفظ مطلقا، أعم من أن يكون بالمتبادر، أو بغير المتبادر.
وبعضهم يرى أن التفسير مباين للتأويل، فالتفسير هو القطع من أن مراد الله كذا، والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون قطع.
التفسير تفسيران لكن التفسير على نوعين (أحدهما) تفسير جاف لا يتجاوز حل ألفاظ وإعراب جمل وبيان ما يحتويه نظم القرآن الكريم من نكات بلاغية، وإشارات فنية وهذا النوع أقرب إلى التطبيقات العربية منه إلى التفسير، وبيان مراد الله تعالى من هداياته.
(النوع الثاني) تفسير يتجاوز هذه الحدود، ويجعل هدفه الأعلى تجلية هدايات القرآن وتعاليم القرآن، وحكمة الله فيما شرع للناس في هذا القرآن، على وجه يجذب الأرواح ويفتح القلوب، ويدفع النفوس إلى الاهتداء بهدى الله. وهذا هو الخليق باسم التفسير.
فضل التفسير والحاجة إليه نهضة الافراد والأمم لا يمكن أن تكون صحيحة عن تجربة، ولا سهلة متيسرة، ولا رائعة مدهشة، إلا عن طريق الاسترشاد بتعاليم القرآن ونظمه الحكيمة التي روعيت فيها جميع عناصر السعادة للنوع البشري على ما أحاط به علم خالقه الحكيم. وبدهي أن العمل بهذه التعاليم لا يكون إلا بعد فهم القرآن وتدبره، والوقوف على ما حوى من نصح ورشد، والالمام بمادئه عن طريق تلك القوة الهائلة التي يحملها أسلوبه البارع المعجز، وهذا لا يتحقق إلا عن طريق الكشف والبيان لما تدل عليه ألفاظ القرآن " وهو ما نسميه بعلم التفسير " خصوصا في هذه العصور الأخيرة التي فسدت فيها ملكة البيان العربي، وضاعت فيها خصائص العروبة حتى من سلائل العرب أنفسهم.
فالتفسير هو مفتاح هذه الكنوز والذخائر التي احتواها هذا الكتاب المجيد النازل لاصلاح البشر، وإنقاذ الناس ك، وإعزاز العالم.