يكن ليقدم على محرم، ولم يكن ليتوب عن ذنب وهو ترك الصلاة بذنب آخر، وهو عقر الخيل، وقال الامام فخر الدين: بل التفسير الحق المطابق لألفاظ القرآن أن نقول: " إن رباط الخيل كان مندوبا إليه في دينهم، كما أنه كذلك في ديننا، ثم إن سليمان عليه الصلاة والسلام احتاج إلى غزو فجلس وأمر باحضار الخيل، وأمر باجرائها، وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس، وقد أمر بإعدائها واجرائها حتى توارت بالحجاب أي غابت من بصره، ثم أمر برد الخيل إليه هو قوله: (ردوها علي) فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها وأعناقها والغرض من ذلك المسح أمور، الأول: تشريفا لها لكونها أعظم الأعوان في دفع العدو، الثاني أنه أراد أن يظهر أنه من ضبط السياسة والمملكة يبلغ إلى أن يباشر الأمور بنفسه، الثالث أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها من غيره فكان يمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض، فهذا التفسير الذي ذكرناه ينطبق على لفظ القرآن، ولا يلزمنا شئ من تلك المنكرات والمحظورات، والعجب من الناس كيف قبلوا هذه الوجوه السخيفة ه ملخصا من تفسير الخازن.
(20) قوله تعالى: (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب) سورة ص الآية 34.
أقول: جاء في حاشية الصاوي عند كلام المفسر هذا، قال القاضي عياض وغيره من المحققين: لا يصح ما نقله الأخباريون من تشبه الشيطان بسليمان وتسلطنه على ملكه، وتصرفه في أمته بالجور في حكمه، وإن الشياطين لا يتسلطون على مثل هذا، وقد عصم الله تعالى الأنبياء من مثل هذا، والذي ذهب إليه المحققون أن سبب فتنته ما أوحاه ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، وفي رواية على مائة امرأة كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله تعالى: فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن جميعا، فلم تحمل منهم إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل، وأيم الله الذي نفسي بيده، لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون " قال العلماء: " والشق هو الجسد الذي ألقي على كرسيه وفتنته من نسيان المشيئة فامتحن بهذا فتاب ورجع.
(21) قوله تعالى (في لوح محفوظ) سورة البروج الآية 22.
أقول: ما ذكر المفسرون من وصف اللوح يحتاج إلى نص يصحح الاعتماد عليه، ولا حاجة إلى وصف اللوح بأوصاف لم ترد في كتاب الله ولم تصح عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الشيخ المراغي في تفسيره: واللوح المحفوظ شئ أخبرنا الله به، وأنه أودعه كتابه، ولكن لم يعرفنا حقيقته، فعلينا أن نؤمن به، وليس علينا أن نبحث فيما وراء ذلك مما لم يأت به خبر من المعصوم صلوات الله عليه وسلامه.