علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ". وقوله تعالى " كل امرئ بما كسب رهين " لما أخبر عن مقام الفضل وهو رفع درجة الذرية إلى منزلة الآباء عن غير عمل يقتضي ذلك أخبر عن مقام العدل وهو أنه لا يؤاخذ أحدا بذنب أحد فقال تعالى " كل امرئ بما كسب رهين " أي مرتهن بعمله لا يحمل عليه ذنب غيره من الناس سواء كان أبا أو ابنا كما قال تعالى " كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين " وقوله (وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون) أي وألحقناهم بفواكه ولحوم من أنواع شتى مما يستطاب ويشتهي. وقوله " يتنازعون فيها كأسا " أي تعاطون فيها كأسا أي من الخمر قاله الضحاك " لا لغو فيها ولا تأثيم " أي لا يتكلمون فيها بكلام لاغ أي هذيان ولا إثم أي فحش كما يتكلم به الشربة من أهل الدنيا قال ابن عباس: اللغو الباطل والتأثيم الكذب وقال مجاهد لا يستبون ولا يؤثمون وقال قتادة كان ذلك في الدنيا مع الشيطان فنزه الله خمر الآخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها كما تقدم فنفى عنها صداع الرأس ووجع البطن وإزالة العقل بالكلية وأخبر أنها لا تحملهم على الكلام السئ الفارغ عن الفائدة المتضمن هذيانا وفحشا وأخبر بحسن منظرها وطيب طعمها ومخبرها فقال " بيضاء لذة للشاربين * لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون " وقال " لا يصدعون عنها ولا ينزفون " وقال ههنا " يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم ". وقوله تعالى " ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون " إخبار عن خدمهم وحشمهم في الجنة كأنهم اللؤلؤ الرطب المكنون في حسنهم وبهائهم ونظافتهم وحسن ملابسهم كما قال " ويطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكواب وأباريق وكأس من معين ". وقوله تعالى (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) أي أقبلوا يتحادثون ويتساءلون عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا وهذا كما يتحدث أهل الشراب على شرابهم إذا أخذ فيهم الشراب بما كان من أمرهم (قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين) أي كنا في الدار الدنيا ونحن بين أهلينا خائفين من ربنا مشفقين من عذابه وعقابه (فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) أي فتصدق علينا وأجارنا مما نخاف " إنا كنا من قبل ندعوه " أي نتضرع إليه فاستجاب لنا وأعطانا سؤالنا " إنه هو البر الرحيم ".
وقد ورد في هذا المقام حديث رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده فقال حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا سعيد بن دينار حدثنا الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دخل أهل الجنة الجنة اشتاقوا إلى الاخوان فيجئ سرير هذا حتى يحاذي سرير هذا فيتحدثان فيتكئ هذا ويتكئ هذا فيتحدثان بما كان في الدنيا فيقول أحدهما لصاحبه يا فلان تدرى أي يوم غفر الله لنا؟ يوم كنا في موضع كذا وكذا فدعونا الله عز وجل فغفر لنا " ثم قال البزار لا نعرفه يروى إلا بهذا الاسناد قلت وسعيد بن دينار الدمشقي قال أبو حاتم هو مجهول وشيخه الربيع بن صبيح وقد تكلم فيه غير واحد من جهة حفظه وهو رجل صالح ثقة في نفسه. وقال ابن أبي حاتم حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة أنها قرأت هذه الآية " فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم * إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم " فقالت اللهم من علينا وقنا عذاب السموم إنك أنت البر الرحيم. قيل للأعمش في الصلاة؟ قال نعم.
فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون (29) أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون (30) قل تربصوا فإني معكم من المتربصين (31) أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون (32) أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون (33) فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين (34) يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يبلغ رسالته إلى عباده وأن يذكرهم بما أنزل الله عليه ثم نفى عنه ما يرميه به أهل