" فليأت مستمعهم بسلطان مبين " أي فليأت الذي يستمع لهم بحجة ظاهرة على صحة ما هم فيه من الفعال والمقال أي وليس لهم سبيل إلى ذلك فليسوا على شئ ولا لهم دليل. ثم قال منكرا عليهم فيما نسبوه إليه من البنات وجعلهم الملائكة إناثا واختيارهم لأنفسهم الذكور على الإناث بحيث إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم هذا وقد جعلوا الملائكة بنات الله وعبدوهم مع الله فقال (أم له النبات ولكم البنون) وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد " أم تسألهم أجرا " أي أجرة على إبلاغك إياهم رسالة الله؟ أي لست تسألهم على ذلك شيئا " فهم من مغرم مثقلون " أي فهم من أدنى شئ يتبرمون منه ويثقلهم ويشق عليهم " أم عندهم الغيب فهم يكتبون " أي ليس الامر كذلك فإنه لا يعلم أحد من أهل السماوات والأرض الغيب إلا الله (أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون) يقول تعالى أم يريد هؤلاء بقولهم هذا في الرسول وفي الدين غرور الناس وكيد الرسول وأصحابه فكيدهم إنما يرجع وباله على أنفسهم فالذين كفروا هم المكيدون (أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون) وهذا إنكار شديد على المشركين في عبادتهم الأصنام والأنداد مع الله ثم نزه نفسه الكريمة عما يقولون ويفترون ويشركون فقال " سبحان الله عما يشركون ".
وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم (44) فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون (45) يوم لا يغنى عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون (46) وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون (47) واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم (48) ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم (49) يقول تعالى مخبرا عن المشركين بالعناد والمكابرة للمحسوس " وإن يروا كسفا من السماء ساقطا " أي عليهم يعذبون به لما صدقوا ولما أيقنوا بل يقولون هذا سحاب مركوم أي متراكم وهذا كقوله تعالى " ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ". وقال الله تعالى " فذرهم " أي دعهم يا محمد " حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون " وذلك يوم القيامة " يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا " أي لا ينفعهم كيدهم ولا مكرهم الذي استعملوه في الدنيا لا يجزي عنهم يوم القيامة شيئا " ولا هم ينصرون " ثم قال تعالى " وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك " أي قبل ذلك في الدار الدنيا كقوله تعالى " ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون " ولهذا قال تعالى " ولكن أكثرهم لا يعلمون " أي نعذبهم في الدنيا ونبتليهم فيها بالمصائب لعلهم يرجعون وينيبون فلا يفهمون ما يراد بهم بل إذا جلى عنهم مما كانوا فيه عادوا إلى أسوأ ما كانوا عليه كما جاء في بعض الأحاديث " إن المنافق إذا مرض وعوفي مثله في ذلك كمثل البعير لا يدري فيما عقلوه ولا فيما أرسلوه " وفي الأثر الإلهي " كم أعصيك ولا تعاقبني؟ قال الله تعالى يا عبدي كم أعاقبك وأنت لا تدري "؟ وقوله تعالى " واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا " أي اصبر على أذاهم ولا تبا لهم فإنك بمرأى منا وتحت كلاءتنا والله يعصمك من الناس. وقوله تعالى " وسبح بحمد ربك حين تقوم " قال الضحاك أي إلى الصلاة: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك.
وقد روي مثله عن الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهما وروى مسلم في صحيحه عن عمر أنه كان يقول هذا في ابتداء الصلاة ورواه أحمد وأهل السنن عن أبي سعيد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ذلك. وقال أبو الجوزاء " وسبح بحمد ربك حين تقوم " أي من نومك من فراشك واختاره ابن جرير ويتأيد هذا القول بما رواه الإمام أحمد حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني عمير بن هانئ حدثني جنادة بن