والنجاح " فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا " وهذا المقام شبيه بقوله تعالى " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن " وقد قدمنا الأحاديث الواردة في ذلك بما أغنى عن إعادته ههنا.
وقوله تعالى " وأنه تعالى جد ربنا " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى " جد ربنا " أي فعله وأمره وقدرته وقال الضحاك عن ابن عباس جد الله آلاؤه وقدرته ونعمته على خلقه وروي عن مجاهد وعكرمة جلال ربنا وقال قتادة تعالى جلاله وعظمته وأمره وقال السدي تعالى أمر ربنا وعن أبي الدرداء ومجاهد أيضا وابن جريج تعالى ذكره وقال سعيد بن جبير " تعالى جد ربنا " أي تعالى ربنا فأما ما رواه ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد الكوفي حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس قال: الجد أب ولو علمت الجن أن في الانس جدا ما قالوا تعالى جد ربنا فهذا إسناد جيد ولكن لست أفهم ما معنى هذا الكلام ولعله قد سقط شئ والله أعلم. وقوله تعالى " ما اتخذ صاحبة ولا ولدا " أي تعالى عن اتخاذ الصاحبة والأولاد أي قالت الجن تنزه الرب جل جلاله حين أسلموا وآمنوا بالقرآن عن اتخاذ الصاحبة والولد ثم قالوا (وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا) قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي " سفيهنا " يعنون إبليس " شطط " قال السدي عن أبي مالك " شطط " أي جورا. وقال ابن زيد أي ظلما كبيرا ويحتمل أن يكون المراد بقولهم سفيهنا اسم جنس لكل من زعم أن لله صاحبة أو ولدا ولهذا قالوا " وأنه كان يقول سفيهنا " أي قبل إسلامه " على الله شططا " أي باطلا وزورا ولهذا قالوا (وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا) أي ما حسبنا أن الإنس والجن يتمالؤن على الكذب على الله تعالى في نسبة الصاحبة والولد إليه فلما سمعنا هذا القرآن وآمنا به علمنا أنهم كانوا يكذبون على الله في ذلك وقوله تعالى (وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) أي كنا نرى أن لنا فضلا على الانس لانهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري وغيرها كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشئ يسوءهم كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته فلما رأت الجن أن الانس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقا أي خوفا وإرهابا وذعرا حتى بقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذا بهم كما قال قتادة " فزادوهم رهقا " أي إثما وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة وقال الثوري عن منصور عن إبراهيم " فزادوهم رهقا " أي ازدادت الجن عليهم جرأة وقال السدي: كان الرجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن أن أضر أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي قال قتادة: فإذا عاذ بهم من دون الله رهقتهم الجن الأذى عند ذلك. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي حدثنا الزبير بن الخريت عن عكرمة قال كان الجن يفرقون من الانس كما يفرق الانس منهم أو أشد فكان الانس إذا نزلوا واديا هرب الجن فيقول سيد القوم نعوذ بسيد أهل هذا الوادي فقال الجن نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم فدنوا من الانس فأصابوهم بالخبل والجنون فذلك قول الله عز وجل " وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا " أي إثما وقال أبو العالية والربيع وزيد بن أسلم " رهقا " أي خوفا. وقال العوفي عن ابن عباس " فزادوهم رهقا " أي إثما وكذا قال قتادة: وقال مجاهد زاد الكفار طغيانا وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا فروة بن المغراء الكندي حدثنا القاسم بن مالك - يعني المزني - عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال خرجت مع أبي من المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فآوانا المبيت إلى راعي غنم فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي فقال يا عامر الوادي جارك فنادى مناد لا نراه يقول يا سرحان أرسله. فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة وأنزل الله تعالى على رسوله بمكة " وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن