تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج ٤ - الصفحة ٤٥٤
وهو يكسف ما فوقه وعطارد في الثانية والزهرة في الثالثة والشمس في الرابعة والمريخ في الخامسة والمشتري في السادسة وزحل في السابعة وأما بقية الكواكب وهي الثوابت ففي فلك ثامن يسمونه فلك الثوابت والمتشرعون منهم يقولون هو الكرسي والفلك التاسع وهو الأطلس والأثير عندهم الذي حركته على خلاف حركة سائر الأفلاك وذلك أن حركته مبدأ الحركات وهي من المغرب إلى المشرق وسائر الأفلاك عكسه من المشرق إلى المغرب ومعها يدور سائر الكواكب تبعا ولكن للسيارة حركة معاكسة لحركة أفلاكها فإنها تسير من المغرب إلى المشرق وكل يقطع فلكه بحسبه. فالقمر يقطع فلكه في كل شهر مرة والشمس في كل سنة مرة وزحل في كل ثلاثين سنة مرة وذلك بحسب اتساع أفلاكها وإن كانت حركة الجميع في السرعة متناسبة هذا ملخص ما يقولونه في هذا المقام على اختلاف بينهم في مواضع كثيرة لسنا بصدد بيانها وإنما المقصود أن الله سبحانه وتعالى " خلق سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا " أي فاوت بينهما في الاستنارة فجعل كلا منهما أنموذجا على حدة ليعرف الليل والنهار بمطلع الشمس ومغيبها وقدر للقمر منازل وبروجا وفاوت نوره فتارة يزداد حتى يتناهى ثم يشرع في النقص حتى يستسر ليدل على مضي الشهور والأعوام كما قال تعالى " هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ".
وقوله تعالى (والله أنبتكم من الأرض نباتا) هذا اسم مصدر والاتيان به ههنا أحسن " ثم يعيدكم فيها " أي إذا متم " ويخرجكم إخراجا " أي يوم القيامة يعيدكم كما بدأكم أول مرة (والله جعل لكم الأرض بساطا) أي بسطها ومهدها وقررها وثبتها بالجبال الراسيات الشم الشامخات (لتسلكوا منها سبلا فجاجا) أي خلقها لكم لتستقروا عليها وتسلكوا فيها أين شئتم من نواحيها وأرجائها وأقطارها وكل هذا مما ينبههم به نوح عليه السلام على قدرة الله وعظمته في خلق السماوات والأرض ونعمه عليهم فيما جعل لهم من المنافع السماوية والأرضية فهو الخالق الرزاق جعل السماء بناء والأرض مهادا وأوسع على خلقه من رزقه فهو الذي يجب أن يعبد ويوحد ولا يشرك به أحد لأنه لا نظير له ولا عديل له ولا ند ولا كف ء ولا صاحبة ولا ولد ولا وزير ولا مشير بل هو العلي الكبير.
قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا (21) ومكروا مكرا كبارا (22) وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا (23) وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا (24) يقول تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام أنه أنهى إليه وهو العليم الذي لا يعزب عنه شئ أنه مع البيان المتقدم ذكره والدعوة المتنوعة المشتملة على الترغيب تارة والترهيب أخرى أنهم عصوه وخالفوه وكذبوه واتبعوا أبناء الدنيا ممن غفل عن أمر الله ومتع بمال وأولاد وهي في نفس الامر استدراج وإنظار لا إكرام ولهذا قال " واتبعوا من لم يزده ما له وولده إلا خسارا " قرئ وولده بالضم وبالفتح وكلاهما متقارب وقوله تعالى (ومكروا مكرا كبارا) قال مجاهد كبارا أي عظيما وقال ابن زيد كبارا أي كبيرا والعرب تقول أمر عجيب وعجاب وعجاب. ورجل حسان وحسان وجمال وجمال بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد والمعنى في قوله تعالى " ومكروا مكرا كبارا " أي باتباعهم في تسويلهم لهم أنهم على الحق والهدى كما يقولون لهم يوم القيامة " بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا " ولهذا قال ههنا " ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا " وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله قال البخاري حدثنا إبراهيم حدثنا هشام عن ابن جريج وقال عطاء عن ابن عباس صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد:
(٤٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تفسير سورة الصافات 3
2 تحطيم الأصنام 14
3 الذبيح إسماعيل عليه السلام 16
4 تفسير سورة ص 29
5 تسبيح الجبال والطير مع سيدنا داود 32
6 تفسير سورة الزمر 48
7 ضرب الأمثال في القرآن 56
8 الحث على التوبة 63
9 تفسير قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره 67
10 النفخ في الصور 69
11 دخول الأشقياء النار 70
12 دخول المتقين الجنة 71
13 ذكر سعة أبواب الجنة 73
14 تفسير سورة المؤمن 75
15 استحباب الدعاء للمؤمنين السابقين 77
16 الامر باخلاص الدعاء لله وحده 79
17 إرسال سيدنا يوسف إلى أهل مصر 85
18 نصيحة مؤمن آل فرعون 87
19 تفسير سورة فصلت 97
20 شهادة الجوارح على الانسان 103
21 فضل الداعي إلى الله 108
22 تفسير سورة الشورى 114
23 تفسير سورة الزخرف 132
24 تفسير سورة الدخان 148
25 تفسير سورة الجاثية 159
26 تفسير سورة الأحقاف 165
27 وفد الجن الذين استمعوا القرآن 175
28 تفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم 185
29 تفسير سورة الفتح 196
30 ذكر سبب البيعة 200
31 فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 208
32 قصة صلح الحديبية 209
33 تفسير سورة الحجرات 220
34 تفسير سورة ق 235
35 تفسير سورة الذاريات 247
36 تفسير سورة الطور 255
37 تفسير سورة النجم 264
38 تفسير سورة اقتربت الساعة 279
39 تفسير سورة الرحمن 289
40 تفسير سورة الواقعة 302
41 تفسير سورة الحديد 323
42 تفسير سورة المجادلة 340
43 تفسير سورة الحشر 353
44 أسماء الله الحسنى 366
45 تفسير سورة الممتحنة 368
46 مبايعة النساء 376
47 تفسير سورة الصف 381
48 تفسير سورة الجمعة 387
49 تفسير سورة المنافقين 393
50 تفسير سورة التغابن 398
51 تفسير سورة الطلاق 403
52 تفسير سورة التحريم 411
53 تفسير سورة الملك 421
54 تفسير سورة ن 427
55 تفسير سورة الحاقة 439
56 تفسير سورة المعارج 446
57 تفسير سورة نوح 452
58 تفسير سورة الجن 456
59 تفسير سورة المزمل 462
60 تفسير سورة المدثر 469
61 تفسير سورة القيامة 477
62 تفسير سورة الانسان 483
63 تفسير سورة المرسلات 488
64 تفسير سورة النبأ 492
65 تفسير سورة النازعات 497
66 تفسير سورة عبس 501
67 تفسير سورة التكوير 506
68 تفسير سورة الانفطار 513
69 تفسير سورة المطففين 515
70 تفسير سورة الانشقاق 520
71 تفسير سورة البروج 524
72 تفسير سورة الطارق 531
73 تفسير سورة الاعلى 532
74 تفسير سورة الغاشية 536
75 تفسير سورة الفجر 539
76 تفسير سورة البلد 546
77 تفسير سورة الشمس 550
78 تفسير سورة الليل 553
79 تفسير سورة الضحى 557
80 تفسير سورة الانشراح 560
81 تفسير سورة التين 562
82 تفسير سورة العلق 564
83 تفسير سورة القدر 566
84 تفسير سورة البينة 573
85 تفسير سورة الزلزلة 575
86 تفسير سورة العاديات 578
87 تفسير سورة القارعة 580
88 تفسير سورة التكاثر 581
89 تفسير سورة العصر 585
90 تفسير سورة الهمزة 586
91 تفسير سورة الفيل 586
92 تفسير سورة قريش 591
93 تفسير سورة الماعون 592
94 تفسير سورة الكوثر 595
95 تفسير سورة الكافرون 598
96 تفسير سورة النصر 600
97 تفسير سورة المسد 602
98 تفسير سورة الاخلاص 604
99 تفسير سورة الفلق 610
100 تفسير سورة الناس 615