" وأحصوا العدة " أي احفظوها واعرفوا ابتداءها وانتهاءها لئلا تطول العدة على المرأة فتمتنع من الأزواج " واتقوا الله ربكم " أي في ذلك. وقوله تعالى " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن " أي في مدة العدة لها حق السكنى على الزوج ما دامت معتدة منه فليس للرجل أن يخرجها ولا يجوز لها أيضا الخروج لأنها معتقلة لحق الزوج أيضا. وقوله تعالى " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " أي لا يخرجن من بيوتهن إلا أن ترتكب المرأة فاحشة مبينة فتخرج من المنزل والفاحشة المبينة تشمل الزنا كما قاله ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب والشعبي والحسن وابن سيرين ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو قلابة وأبو صالح والضحاك وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني والسدي وسعيد بن أبي هلال وغيرهم وتشمل ما إذا نشزت المرأة أو بذت على أهل الرجل وآذتهم في الكلام والفعال كما قاله أبي بن كعب وابن عباس وعكرمة وغيرهم وقوله تعالى " وتلك حدود الله " أي شرائعه ومحارمه " ومن يتعد حدود الله " أي يخرج عنها ويتجاوزها إلى غيرها ولا يأتمر بها " فقد ظلم نفسه " أي بفعل ذلك. وقوله تعالى " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " أي إنما أبقينا المطلقة في منزل الزوج في مدة العدة لعل الزوج يندم على طلاقها ويخلق الله تعالى في قلبه رجعتها فيكون ذلك أيسر وأسهل. قال الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن فاطمة بنت قيس في قوله تعالى " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " قالت هي الرجعة وكذا قال الشعبي وعطاء وقتادة والضحاك ومقاتل بن حيان والثوري ومن ههنا ذهب من ذهب من السلف ومن تابعهم كالامام أحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى إلى أنه لا تجب السكنى للمبتوتة أي المقطوعة وكذا المتوفى عنها زوجها واعتمدوا أيضا على حديث فاطمة بنت قيس الفهرية حين طلقها زوجها أبو عمرو بن حفص آخر ثلاث تطليقات وكان غائبا عنها باليمن فأرسل إليها بذلك فأرسل إليها وكيله بشعير يعني نفقة فتسخطه فقال والله ليس لك علينا نفقة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ليس لك عليه نفقة " ولمسلم " ولا سكنى " وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال " تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك " الحديث. وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى بلفظ آخر فقال حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا مجالد ثنا عامر قال: قدمت المدينة فأتيت فاطمة بنت قيس فحدثتني أن زوجها طلقها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية قالت فقال لي أخوه أخرجي من الدار فقلت إن لي نفقة وسكنى حتى يحل الاجل قال لا قالت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن فلانا طلقني وأن أخاه أخرجني ومنعني السكنى والنفقة فقال له " مالك ولابنة آل قيس؟ " قال يا رسول الله إن أخي طلقها ثلاثا جميعا قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انظري يا بنت آل قيس إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى اخرجي فانزلي على فلانة ثم قال إنه يتحدث إليها انزلي على ابن أم مكتوم فإنه أعمى لا يراك " وذكر تمام الحديث.
وقال أبو القاسم الطبراني ثنا أحمد بن عبد الله البزار التستري ثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف ثنا بكر بن بكار ثنا سعيد بن يزيد البجلي ثنا عامر الشعبي أنه دخل على فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس القرشي وزوجها أبو عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي فقالت إن أبا عمرو بن حفص أرسل إلي وهو منطلق في جيش إلى اليمن بطلاقي فسألت أولياءه النفقة علي والسكنى فقالوا ما أرسل إلينا في ذلك شيئا ولا أوصانا به فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن أبا عمرو بن حفص أرسل إلي بطلاقي فسألت أولياءه السكنى والنفقة علي فقال أولياؤه لم يرسل إلينا في ذلك بشئ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما السكنى والنفقة للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعة فإذا كانت لا تحل له حتى تنكح غيره فلا نفقة لها ولا سكنى " وكذا رواه النسائي عن أحمد بن يحيى الصوفي عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سعيد بن يزيد وهو الأحمسي البجلي الكوفي قال أبو حاتم الرازي وهو شيخ يروى عنه.
فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم