المؤمنون) أي إنما النجوى وهي المسارة حيث يتوهم مؤمن بها سوءا " من الشيطان ليحزن الذين آمنوا " يعني إنما يصدر هذا من المتناجين عن تسويل الشيطان وتزيينه " ليحزن الذين آمنوا " أي ليسؤهم وليس ذلك بضارهم شيئا إلا بإذن الله ومن أحس من ذلك شيئا فليستعذ بالله وليتوكل على الله فإنه لا يضره شئ بإذن الله.
وقد وردت السنة بالنهي عن التناجي حيث يكون في ذلك تأذ على مؤمن كما قال الإمام أحمد حدثنا وكيع وأبو معاوية قالا حدثنا الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه " وأخرجاه من حديث الأعمش. وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه " انفرد بإخراجه مسلم عن أبي الربيع وأبي كامل كلاهما عن حماد بن زيد عن أيوب به.
يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير (11) يقول تعالى مؤدبا عباده المؤمنين وآمرا لهم أن يحسن بعضهم إلى بعض في المجالس " يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس " وقرئ " في المجلس " " فافسحوا يفسح الله لكم " وذلك أن الجزاء من جنس العمل كما جاء في الحديث الصحيح " من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة " وفي الحديث الآخر " ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " ولهذا أشباه كثيرة ولهذا قال تعالى " فافسحوا يفسح الله لكم " قال قتادة نزلت هذه الآية في مجالس الذكر وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلا ضنوا بمجالسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم الله تعالى أن يفسح بعضهم لبعض. وقال مقاتل بن حيان أنزلت هذه الآية يوم الجمعة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ في الصفة وفى المكان ضيق وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجالس فقاموا حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ثم سلموا إلى القوم بعد ذلك فردوا عليهم فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ما يحملهم على القيام فلم يفسح لهم فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار من غير أهل بدر " قم يا فلان وأنت يا فلان " فلم يزل يقيمهم بعدة النفر الذين هم قيام بين يديه من المهاجرين والأنصار من أهل بدر فشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الكراهة في وجوههم فقال المنافقون ألستم تزعمون أن صاحبكم هذا يعدل بين الناس؟ والله ما رأيناه قبل عدل على هؤلاء إن قوما أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب من نبيهم فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " رحم الله رجلا يفسح لأخيه " فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعا فيفسح القوم لاخوانهم ونزلت هذه الآية يوم الجمعة. رواه ابن أبي حاتم وقد قال الإمام أحمد والشافعي حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا " وأخرجاه في الصحيحين من حديث نافع به. وقال الشافعي أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى عن جابر عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل افسحوا " على شرط السنن ولم يخرجوه. وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا فليح عن أيوب عن عبد الرحمن بن صعصعة عن يعقوب بن أبي يعقوب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه