تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج ٤ - الصفحة ٣٤٤
وقوله تعالى " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا " اختلف السلف والأئمة في المراد بقوله تعالى " ثم يعودون لما قالوا " فقال بعض الناس العود هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرره وهذا القول باطل وهو اختيار ابن حزم وقول داود حكاه أبو عمر بن عبد البر عن بكير بن الأشج والفراء وفرقة من أهل الكلام وقال الشافعي هو أن يمسكها بعد المظاهرة زمانا يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق وقال أحمد بن حنبل هو أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه فلا تحل له حتى يكفر بهذه الكفارة وقد حكي عن مالك أنه العزم على الجماع أو الامساك عنه وعنه أنه الجماع وقال أبو حنيفة هو أن يعود إلى الظهار بعد تحريمه ورفع ما كان عليه أمر الجاهلية فمتى ظاهر الرجل من امرأته فقد حرمها تحريما لا يرفعه إلا الكفارة وإليه ذهب أصحابه والليث بن سعد. وقال ابن لهيعة حدثني عطاء عن سعيد بن جبير " ثم يعودون لما قالوا " يعني يريدون أن يعودوا في الجماع الذي حرموه على أنفسهم وقال الحسن البصري يعني الغشيان في الفرج وكان لا يرى بأسا أن يغشى فيما دون الفرج قبل أن يكفر وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " من قبل أن يتماسا " والمس النكاح وكذا قال عطاء والزهري وقتادة ومقاتل بن حيان وقال الزهري ليس له أن يقبلها ولا يمسها حتى يكفر. وقد روى أهل السنن من حديث عكرمة عن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر فقال " ما حملك على ذلك يرحمك الله " قال رأيت خلخالها في ضوء القمر قال " فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله عز وجل " وقال الترمذي حسن غريب صحيح ورواه أبو داود والنسائي من حديث عكرمة مرسلا قال النسائي وهو أولى بالصواب.
وقوله تعالى " فتحرير رقبة " أي فإعتاق رقبة كاملة من قبل أن يتماسا فههنا الرقبة مطلقة غير مقيدة بالايمان وفي كفارة القتل مقيدة بالايمان فحمل الشافعي رحمه الله ما أطلق ههنا علي ما قيد هناك لاتحاد الموجب وهو عتق الرقبة واعتضد في ذلك بما رواه عن مالك بسنده عن معاوية بن الحكم السلمي في قصة الجارية السوداء وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أعتقها فإنها مؤمنة " وقد رواه أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه. وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عبد الله بن نمير عن إسماعيل بن مسلم بن يسار عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال إني ظاهرت من امرأتي ثم وقعت عليها قبل أن أكفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألم يقل الله تعالى " من قبل أن يتماسا " قال أعجبتني قال " أمسك حتى تكفر " ثم قال البزار لا يروى عن ابن عباس بأحسن من هذا وإسماعيل بن مسلم تكلم فيه وروى عنه جماعة كثيرة من أهل العلم وفيه من الفقه أنه لم يأمره إلا بكفارة واحدة وقوله تعالى " ذلك توعظون به " أي تزجرون به " والله بما تعملون خبير " أي خبير بما يصلحكم عليم بأحوالكم وقوله تعالى (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) من قبل أن يتماسا (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) قد تقدمت الأحاديث الآمرة بهذا على الترتيب كما ثبت في الصحيحين في قصة الذي جامع امرأته في رمضان " ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله " أي شرعنا هذا لهذا. وقوله تعالى " وتلك حدود الله " أي محارمه فلا تنتهكوها وقوله تعالى " وللكافرين عذاب أليم " أي الذين لم يؤمنوا ولا التزموا بأحكام هذه الشريعة لا تعتقدوا أنهم ناجون من البلاء كلا ليس الامر كما زعموا بل لهم عذاب أليم أي في الدنيا والآخرة.
إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين (5) يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شئ شهيد (6) ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى
(٣٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تفسير سورة الصافات 3
2 تحطيم الأصنام 14
3 الذبيح إسماعيل عليه السلام 16
4 تفسير سورة ص 29
5 تسبيح الجبال والطير مع سيدنا داود 32
6 تفسير سورة الزمر 48
7 ضرب الأمثال في القرآن 56
8 الحث على التوبة 63
9 تفسير قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره 67
10 النفخ في الصور 69
11 دخول الأشقياء النار 70
12 دخول المتقين الجنة 71
13 ذكر سعة أبواب الجنة 73
14 تفسير سورة المؤمن 75
15 استحباب الدعاء للمؤمنين السابقين 77
16 الامر باخلاص الدعاء لله وحده 79
17 إرسال سيدنا يوسف إلى أهل مصر 85
18 نصيحة مؤمن آل فرعون 87
19 تفسير سورة فصلت 97
20 شهادة الجوارح على الانسان 103
21 فضل الداعي إلى الله 108
22 تفسير سورة الشورى 114
23 تفسير سورة الزخرف 132
24 تفسير سورة الدخان 148
25 تفسير سورة الجاثية 159
26 تفسير سورة الأحقاف 165
27 وفد الجن الذين استمعوا القرآن 175
28 تفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم 185
29 تفسير سورة الفتح 196
30 ذكر سبب البيعة 200
31 فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 208
32 قصة صلح الحديبية 209
33 تفسير سورة الحجرات 220
34 تفسير سورة ق 235
35 تفسير سورة الذاريات 247
36 تفسير سورة الطور 255
37 تفسير سورة النجم 264
38 تفسير سورة اقتربت الساعة 279
39 تفسير سورة الرحمن 289
40 تفسير سورة الواقعة 302
41 تفسير سورة الحديد 323
42 تفسير سورة المجادلة 340
43 تفسير سورة الحشر 353
44 أسماء الله الحسنى 366
45 تفسير سورة الممتحنة 368
46 مبايعة النساء 376
47 تفسير سورة الصف 381
48 تفسير سورة الجمعة 387
49 تفسير سورة المنافقين 393
50 تفسير سورة التغابن 398
51 تفسير سورة الطلاق 403
52 تفسير سورة التحريم 411
53 تفسير سورة الملك 421
54 تفسير سورة ن 427
55 تفسير سورة الحاقة 439
56 تفسير سورة المعارج 446
57 تفسير سورة نوح 452
58 تفسير سورة الجن 456
59 تفسير سورة المزمل 462
60 تفسير سورة المدثر 469
61 تفسير سورة القيامة 477
62 تفسير سورة الانسان 483
63 تفسير سورة المرسلات 488
64 تفسير سورة النبأ 492
65 تفسير سورة النازعات 497
66 تفسير سورة عبس 501
67 تفسير سورة التكوير 506
68 تفسير سورة الانفطار 513
69 تفسير سورة المطففين 515
70 تفسير سورة الانشقاق 520
71 تفسير سورة البروج 524
72 تفسير سورة الطارق 531
73 تفسير سورة الاعلى 532
74 تفسير سورة الغاشية 536
75 تفسير سورة الفجر 539
76 تفسير سورة البلد 546
77 تفسير سورة الشمس 550
78 تفسير سورة الليل 553
79 تفسير سورة الضحى 557
80 تفسير سورة الانشراح 560
81 تفسير سورة التين 562
82 تفسير سورة العلق 564
83 تفسير سورة القدر 566
84 تفسير سورة البينة 573
85 تفسير سورة الزلزلة 575
86 تفسير سورة العاديات 578
87 تفسير سورة القارعة 580
88 تفسير سورة التكاثر 581
89 تفسير سورة العصر 585
90 تفسير سورة الهمزة 586
91 تفسير سورة الفيل 586
92 تفسير سورة قريش 591
93 تفسير سورة الماعون 592
94 تفسير سورة الكوثر 595
95 تفسير سورة الكافرون 598
96 تفسير سورة النصر 600
97 تفسير سورة المسد 602
98 تفسير سورة الاخلاص 604
99 تفسير سورة الفلق 610
100 تفسير سورة الناس 615