والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير - إلى قوله تعالى - وللكافرين عذاب أليم " قالت: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " مريه فليعتق رقبة " قالت: فقلت يا رسول الله ما عنده ما يعتق قال " فليصم شهرين متتابعين " قالت: فقلت والله إنه لشيخ كبير ماله من صيام قال " فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر " قالت: فقلت يا رسول الله ما ذاك عنده قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فإنا سنعينه بفرق من تمر " قالت: فقلت يا رسول الله وأنا سأعينه بفرق آخر قال " قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيرا " قالت: ففعلت. ورواه أبو داود في كتاب الطلاق من سننه من طريقين عن محمد بن إسحاق بن يسار به وعنده خولة بنت ثعلبة ويقال لها خولة بنت مالك بن ثعلبة وقد تصغر فيقال خويلة ولا منافاة بين هذه الأقوال فالامر فيها قريب والله أعلم. هذا هو الصحيح في سبب نزول هذه السورة فأما حديث سلمة بن صخر فليس فيه أنه كان سبب النزول ولكن أمر بما أنزل الله في هذه السورة من العتق أو الصيام أو الاطعام كما قال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن إسحاق بن يسار عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر الأنصاري قال كنت امرأ قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل رمضان تظهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقا من أن أصيب في ليلتي شيئا فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع فبينما هي تخدمني من الليل إذ تكشف لي منها شئ فوثبت عليها فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري وقلت انطلقوا معي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بأمري فقالوا لا والله لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدالك قال فخرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري فقال لي " أنت بذاك " فقلت أنا بذاك فقال " أنت بذاك " فقلت أنا بذاك قال " أنت بذاك " قلت نعم ها أنا ذا فأمض في حكم الله عز وجل فإني صابر له قال " أعتق رقبة " قال فضربت صفحة رقبتي بيدي وقلت لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها قال " فصم شهرين متتابعين " قلت يا رسول الله وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام قال " فتصدق " فقلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشا ما لنا عشاء قال " اذهب إلى صاحب صدقة بني رزيق فقل له فليدفعها إليك فأطعم عنك منها وسقا من تمر ستين مسكينا ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك " قال فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة قد أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي فدفعوها إلي وهكذا رواه أبو داود وابن ماجة واختصره الترمذي وحسنه وظاهر السياق أن هذه القصة كانت بعد قصة أوس بن الصامت وزوجته خويلة بنت ثعلبة كما دل عليه سياق تلك وهذه بعد التأمل قال خصيف عن مجاهد عن ابن عباس أول من ظاهر من امرأته أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك فلما ظاهر منها خشيت أن يكون ذلك طلاقا فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أوسا ظاهر مني وإنا إن افترقنا هلكنا وقد نثرت بطني منه وقدمت صحبته وهي تشكو ذلك وتبكي ولم يكن جاء في ذلك شئ فأنزل الله تعالى " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله - إلى قوله تعالى - وللكافرين عذاب أليم " فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أتقدر على رقبة تعتقها " قال لا والله يا رسول الله ما أقدر عليها قال فجمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعتق عتقه ثم راجع أهله رواه ابن جرير ولهذا ذهب ابن عباس والأكثرون إلى ما قلناه والله أعلم فقوله تعالى " الذين يظاهرون منكم من نسائهم " أصل الظهار مشتق من الظهر وذلك أن الجاهلية كانوا إذا ظاهر أحدهم من امرأته قال لها أنت علي كظهر أمي ثم في الشرع كان الظهار في سائر الأعضاء قياسا على الظهر وكان الظهار عند الجاهلية طلاقا فأرخص الله لهذه الأمة وجعل فيه كفارة ولم يجعله طلاقا كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم هكذا قال غير واحد من السلف قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا عبيد الله بن موسى عن أبي حمزة عن عكرمة عن ابن عباس قال كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية أنت علي كظهر أمي حرمت عليه فكان أول من ظاهر في الاسلام أوس وكان تحته ابنة عم له يقال لها خويلة بنت ثعلبة
(٣٤٢)