قال يبعث الله ظلمة يوم القيامة فما من مؤمن ولا كافر يرى كفه حتى يبعث الله بالنور إلى المؤمنين بقدر أعمالهم فيتبعهم المنافقون فيقولون انظرونا نقتبس من نوركم وقال العوفي والضحاك وغيرهما عن ابن عباس بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نورا فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه وكان النور دليلا من الله إلى الجنة فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم فأظلم الله على المنافقين فقالوا حينئذ " انظرونا نقتبس من نوركم " فإنا كنا معكم في الدنيا قال المؤمنون " ارجعوا وراءكم " من حيث جئتم من الظلمة فالتمسوا هنالك النور وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا الحسن بن عرفة بن علوية العطار حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار حدثنا إسحاق بن بشر ابن حذيفة حدثنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم سترا منه على عباده وأما عند الصراط فإن الله يعطي كل مؤمن نورا وكل منافق نورا فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات فقال المنافقون " انظرونا نقتبس من نوركم " وقال المؤمنون " ربنا أتمم لنا نورنا " فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا ".
وقوله تعالى " فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب " قال الحسن وقتادة هو حائط بين الجنة والنار وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هو الذي قال الله تعالى " وبينهما حجاب " وهكذا روي عن مجاهد رحمه الله وغير واحد وهو الصحيح " باطنه فيه الرحمة " أي الجنة وما فيها " وظاهره من قبله العذاب " أي النار قاله قتادة وابن زيد وغيرهما، قال ابن جرير وقد قيل إن ذلك السور سور بيت المقدس عند وادي جهنم. ثم قال حدثنا ابن البرقي حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن سعيد بن عطية بن قيس عن أبي العوام مؤذن بيت المقدس قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول إن السور الذي ذكره الله في القرآن " فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب " هو السور الشرقي باطنه المسجد وما يليه وظاهره وادي جهنم. ثم روي عن عبادة بن الصامت وكعب الأحبار وعلي بن الحسين وزين العابدين نحو ذلك. وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب المعنى ومثالا لذلك لا أن هذا هو الذي أريد من القرآن هذا الجدار المعين ونفس المسجد وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم فإن الجنة في السماوات في أعلى عليين والنار في الدركات أسفل سافلين وقول كعب الأحبار إن الباب المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد فهذا من إسرائيلياته وترهاته وإنما المراد بذلك سور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه فإذا استكملوا دخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من وراءه في الحيرة والظلمة والعذاب كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وجهل وشك وحيرة " ينادونهم ألم نكن معكم " أي ينادي المنافقون المؤمنين أما كنا معكم في الدار الدنيا نشهد معكم الجمعات ونصلي معكم الجماعات ونقف معكم بعرفات ونحضر معكم الغزوات ونؤدي معكم سائر الواجبات؟ " قالوا بلى " أي فأجاب المؤمنون المنافقين قائلين بلى قد كنتم معنا " ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني " قال بعض السلف أي فتنتم أنفسكم باللذات والمعاصي والشهوات وتربصتم أي أخرتم التوبة من وقت إلى وقت. وقال قتادة " تربصتم " بالحق وأهله " وارتبتم " أي بالبعث بعد الموت " وغرتكم الأماني " أي قلتم سيغفر لنا وقيل غرتكم الدنيا " حتى جاء أمر الله " أي ما زلتم في هذا حتى جاءكم الموت " وغركم بالله الغرور " أي الشيطان قال قتادة كانوا على خدعة من الشيطان والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار. ومعنى هذا الكلام من المؤمنين للمنافقين إنكم كنتم معنا أي بأبدان لا نية لها ولا قلوب معها وإنما كنتم في حيرة وشك فكنتم تراءون الناس ولا تذكرون الله إلا قليلا. قال مجاهد كان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم ويغشونهم ويعاشرونهم وكانوا معهم أمواتا ويعطون النور جميعا يوم القيامة ويطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور ويماز بينهم حينئذ. وهذا القول من المؤمنين لا ينافي قولهم الذي أخبر الله تعالى به عنهم حيث يقول وهو أصدق القائلين " كل نفس بما