بعيسى بن مريم وآتيناه الإنجيل " وهو الكتاب الذي أوحاه الله إليه " وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه " وهم الحواريون " رأفة " أي رقة وهي الخشية " ورحمة " بالخلق وقوله " ورهبانية ابتدعوها " أي ابتدعتها أمة النصارى " ما كتبناها عليهم " أي ما شرعناها وإنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم وقوله تعالى " إلا ابتغاء رضوان الله " فيه قولان (أحدهما) أنهم قصدوا بذلك رضوان الله قال سعيد بن جبير وقتادة " والآخر " ما كتبنا عليهم ذلك إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله وقوله تعالى " فما رعوها حق رعايتها " أي فما قاموا بما التزموه حق القيام وهذا ذم لهم من وجهين " أحدهما الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله " والثاني " في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنها قربة تقربهم إلى الله عز وجل. وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا إسحاق بن أبي حمزة أبو يعقوب الرازي حدثنا السري بن عبد ربه حدثنا بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان عن القاسم بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده ابن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا ابن مسعود " قلت لبيك يا رسول الله قال " هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة؟ لم ينج منها إلا ثلاث فرق قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى ابن مريم عليه السلام فدعت إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فقاتلت الجبابرة فقتلت فصبرت ونجت ثم قامت طائفة أخرى لم تكن لها قوة بالقتال فقامت بين الملوك والجبابرة فدعوا إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فقتلت وقطعت بالمناشير وحرقت بالنيران فصبرت ونجت ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ولم تطق القيام بالقسط فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت وهم الذين ذكر الله تعالى " ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " وقد رواه ابن جرير بلفظ آخر من طريق أخر فقال حدثنا يحيى بن أبي طالب حدثنا داود بن المحبر حدثنا الصعق ابن حزن حدثنا عقيل الجعدي عن أبي إسحاق الهمداني عن سويد بن غفلة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اختلف من كان قبلنا على ثلاث وسبعين فرقة نجا منهم ثلاث وهلك سائرهم " وذكر نحو ما تقدم وفيه " فآتينا الذين أمنوا منهم أجرهم " هم الذين آمنوا بي وصدقوني " وكثير منهم فاسقون " وهم الذين كذبوني وخالفوني " ولا يقدح في هذه المتابعة لحال داود بن المحبر فإنه أحد الوضاعين للحديث ولكن قد أسنده أبو يعلى عن شيبان بن فروخ عن الصعق بن حزن به مثل ذلك فقوي الحديث من هذا الوجه وقال ابن جرير وأبو عبد الرحمن النسائي واللفظ له أخبرنا الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن سفيان بن سعيد عن عطاء ابن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان ملوك بعد عيسى عليه السلام بدلت التوراة والإنجيل فكان منهم مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل فقيل لملوكهم ما نجد شيئا أشد من شتم يشتموناه هؤلاء إنهم يقرءون " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " هذه الآيات مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم فادعهم فليقرأوا كما نقرأ وليؤمنوا كما آمنا فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها فقالوا ما تريدون إلى ذلك دعونا فقالت طائفة منهم ابنوا لنا أسطوانة ثم ارفعونا إليها ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا فلا نرد عليكم وقالت طائفة دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا وقالت طائفة ابنوا لنا دورا في الفيافي ونحتفر الآبار ونحرث البقول فلا نرد عليكم ولا نمر بكم وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم ففعلوا ذلك فأنزل الله تعالى " ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها " والآخرون قالوا نتعبد كما تعبد فلان ونسيح كما ساح فلان ونتخذ دورا كما اتخذ فلان وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم فلما بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إلا القليل انحط منهم رجل من صومعته وجاء سائح من سياحته وصاحب الدير من ديره فآمنوا به وصدقوه فقال الله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته " أجرين بإيمانهم بعيسى بن مريم ونصب أنفسهم والتوراة والإنجيل وبإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقهم قال " ويجعل
(٣٣٨)