وأما المنافق فيتعلق حتى إذا بلغ أوسطه خر من قدميه فيهوي بيديه إلى قدميه " قالت فهل رأيت من يسعى حافيا فتأخذه شوكة حتى تكاد تنفذ قدميه فإنها كذلك يهوي بيده ورأسه إلى قدميه فتضربه الزبانية بخطاف في ناصيته وقدمه فتقذفه في جهنم فيهوي فيها مقدار خمسين عاما قلت ما ثقل الرجل؟ قالت ثقل عشر خلفات سمان فيومئذ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والاقدام. هذا حديث غريب جدا وفيه ألفاظ منكر رفعها وفي الاسناد من لم يسم ومثله لا يحتج به والله أعلم. وقوله تعالى (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون) أي هذه النار التي كنتم تكذبون بوجودها ها هي حاضرة تشاهدونها عيانا يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا وتصغيرا وتحقيرا.
وقوله تعالى (يطوفون بينها وبين حميم آن) أي تارة يعذبون في الجحيم وتارة يسقون من الحميم وهو الشراب الذي هو كالنحاس المذاب يقطع الأمعاء والاحشاء وهذه كقوله تعالى " إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون " وقوله تعالى " آن " أي حار قد بلغ الغاية في الحرارة لا يستطاع من شدة ذلك قال ابن عباس في قوله " يطوفون بينها وبين حميم آن " أي قد انتهى غليه واشتد حره وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك والحسن والثوري والسدي وقال قتادة قد آن طبخه منذ خلق الله السماوات والأرض. وقال محمد بن كعب القرظي يؤخذ العبد فيحرك بناصيته في ذلك الحميم حتى يذوب اللحم ويبقى العظم والعينان في الرأس وهي كالتي يقول الله تعالى " في الحميم ثم في النار يسجرون " والحميم الآن يعني الحار وعن القرظي رواية أخرى " حميم آن " أي حاضر وهو قول ابن زيد أيضا والحاضر لا ينافي ما روي عن القرظي أولا أنه الحار كقوله تعالى " تسقى من عين آنية " أي حاضرة شديدة الحر لا تستطاع وكقوله " غير ناظرين إناه " يعني استواءه ونضجه فقوله " حميم آن " أي حميم حار جدا. ولما كان معاقبة العصاة المجرمين وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه وكان إنذاره لهم عن عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك قال ممتنا بذلك على بريته (فبأي آلاء ربكما تكذبان) ولمن خاف مقام ربه جنتان (46) فبأي آلاء ربكما تكذبان (47) ذواتا أفنان (48) فبأي آلاء ربكما تكذبان (49) فيهما عينان تجريان (50) فبأي آلاء ربكما تكذبان (51) فيهما من كل فاكهة زوجان (52) فبأي آلاء ربكما تكذبان (53) قال ابن شوذب وعطاء الخراساني نزلت هذه الآية " ولمن خاف مقام ربه جنتان " في أبي بكر الصديق وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن مصفى حدثنا بقية عن أبي بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس في قوله تعالى " ولمن خاف مقام ربه جنتان " نزلت في الذي قال أحرقوني بالنار لعلي أضل الله قال تاب يوما وليلة بعد أن تكلم بهذا فقبل الله منه وأدخله الجنة والصحيح أن هذه الآية عامة كما قاله ابن عباس وغيره يقول الله تعالى " ولمن خاف مقام ربه " بين يدي الله عز وجل يوم القيامة " ونهى النفس عن الهوى " ولم يطع ولا آثر الحياة الدنيا وعلم أن الآخرة خير وأبقى فأدى فرائض الله واجتنب محارمه فله يوم القيامة عند ربه جنتان كما قال البخاري رحمه الله حدثنا عبد الله بن أبي الأسود حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن " وأخرجه بقية