وقوله تعالى " متكئين عليها متقابلين " أي وجوه بعضهم إلى بعض ليس أحد وراء أحد (يطوف عليهم ولدان مخلدون) أي مخلدون على صفة واحدة لا يكبرون عنها ولا يشيبون ولا يتغيرون (بأكواب وأباريق وكأس من معين) أما الأكواب فهي الكيزان التي لا خراطيم لها ولا آذان والأباريق التي جمعت الوصفين والكؤوس الهنابات والجميع من خمر من عين جارية معين ليس من أوعية تنقطع وتفرغ بل من عيون سارحة وقوله تعالى " لا يصدعون عنها ولا ينزفون " أي لا تصدع رؤوسهم ولا تنزف عقولهم بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال في الخمر أربع خصال السكر والصداع والقئ والبول فذكر الله تعالى خمر الجنة ونزهها عن هذه الخصال وقال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطية وقتادة والسدي " لا يصدعون عنها " يقول ليس لهم فيها صداع رأس وقالوا في قوله " ولا ينزفون " أي لا تذهب بعقولهم وقوله تعالى " وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما يشتهون " أي ويطوفون عليهم بما يتخيرون من الثمار وهذه الآية دليل على جواز أكل الفاكهة على صفة التخير لها ويدل على ذلك حديث عكراش بن ذؤيب الذي رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي رحمه الله في مسنده حدثنا العباس بن الوليد الترسي حدثنا العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سومة حدثنا عبيد الله بن عكراش عن أبيه عكراش بن ذؤيب قال: بعثني مرة في صدقات أموالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمت المدينة فإذا هو جالس بين المهاجرين والأنصار وقدمت عليه بإبل كأنها عروق الرطي قال " من الرجل؟ " قلت عكراش بن ذؤيب قال " ارفع في النسب " فانتسبت له إلى مرة بن عبيد وهذه صدقة مرة بن عبيد فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " هذه إبل قومي هذه صدقات قومي " ثم أمر بها أن توسم بميسم إبل الصدقة وتضم إليها ثم أخذ بيدي فانطلقنا إلى منزل أم سلمة فقال " هل من طعام؟ " فأتينا بحفنة كالقصعة كثيرة الثريد والوذر فجعل يأكل منها فأقبلت أخبط بيدي في جوانبها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليسرى على يدي اليمنى فقال " يا عكراش كل من موضع واحد فإنه طعام واحد " ثم أتينا بطبق فيه تمر أو رطب - شك عبيد الله رطبا كان أو تمرا - فجعلت آكل من بين يدي وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق وقال " يا عكراش كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد ثم أتينا بماء فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه ثلاثا ثم قال " يا عكراش هذا الوضوء مما غيرت النار " وهكذا رواه الترمذي مطولا وابن ماجة جميعا عن محمد بن بشار عن أبي الهزيل العلاء بن الفضل به وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديثه وقال الإمام أحمد حدثنا بهز بن أسد وعفان وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا شيبان قالوا حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت قال: قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا فربما رأى الرجل الرؤيا فسأل عنه إذا لم يكن يعرفه فإذا أثنى عليه معروف كان أعجب لرؤياه إليه فأتته امرأة فقالت يا رسول الله رأيت كأني أتيت فأخرجت من المدينة فأدخلت الجنة فسمعت وجبة انتحبت لها الجنة فنظرت فإذا فلان بن فلان وفلان بن فلان فسمت اثنى عشر رجلا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث سرية قبل ذلك فجئ بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم فقيل اذهبوا بهم إلى نهر البيدخ أو البيذخ قال فغمسوا فيه فخرجوا ووجوههم كالقمر ليلة البدر فأتوا بصحفة من ذهب فيها بسر فأكلوا من بسره ما شاءوا فما يقلبونها من وجه إلا أكلوا من الفاكهة ما أرادوا وأكلت معهم فجاء البشير من تلك السرية فقال ما كان من رؤيا كذا وكذا فأصيب فلان وفلان حتى عد اثني عشر رجلا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة فقال " قصي رؤياك " فقصتها وجعلت تقول فجئ بفلان وفلان كما قال.
هذا لفظ أبي يعلى قال الحافظ الضياء وهذا على شرط مسلم وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا معاذ بن المثنى حدثنا علي بن المديني حدثنا ريحان بن سعيد عن عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى " وقوله تعالى " ولحم طير مما يشتهون " قال الإمام أحمد حدثنا سيار بن حاتم حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي حدثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن طير الجنة كأمثال البخت يرعى في