وقولا له من ينبت الحب في الثرى * فيصبح منه البقل يهتز رابيا ويخرج منه حبه في رؤوسه * ففي ذاك آيات لمن كان واعيا وقوله تعالى (فبأي آلاء ربكما تكذبان) أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس والجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشئ من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشئ منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون " فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
خلق الانسان من صلصال كالفخار (14) وخلق الجان من مارج من نار (15) فبأي آلاء ربكما تكذبان (16) رب المشرقين ورب المغربين (17) فبأي آلاء ربكما تكذبان (18) مرج البحرين يلتقيان (19) بينهما برزخ لا يبغيان (20) فبأي آلاء ربكما تكذبان (21) يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان (22) فبأي آلاء ربكما تكذبان (23) وله الجوار المنشئات في البحر كالاعلام (24) فبأي آلاء ربكما تكذبان (25) يذكر تعالى خلقه الانسان من صلصال كالفخار وخلقه الجان من مارج من نار وهو طرف لهبها قاله الضحاك عن ابن عباس وبه يقول عكرمة ومجاهد والحسن وابن زيد وقال العوفي عن ابن عباس من مارج من نار من لهب النار من أحسنها وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من مارج من نار من خالص النار وكذا قال عكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم. وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم " ورواه مسلم عن محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق به.
وقوله تعالى (فبأي آلاء ربكما تكذبان) تقدم تفسيره (رب المشرقين ورب المغربين) يعني مشرقي الصيف والشتاء ومغربي الصيف والشتاء وقال في الآية الأخرى " فلا أقسم برب المشارق والمغارب " وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم وبروزها منه إلى الناس وقال في الآية الأخرى " رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا " وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس قال (فبأي آلاء ربكما تكذبان) وقوله تعالى مرج البحر يلتقيان) قال ابن عباس أي أرسلهما وقوله " يلتقيان " قال ابن زيد أي منعهما أن يلتقيا بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما والمراد بقوله البحرين الملح والحلو فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس وقد قدمنا الكلام على ذلك في سورة الفرقان عند قوله تعالى " وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج * وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا " وقد اختار ابن جرير ههنا ان المراد بالبحرين: بحر السماء وبحر الأرض وهو مروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعطية وابن أبزى قال ابن جرير لان اللؤلؤ يتولد من ماء السماء وأصداف بحر الأرض وهذا وإن كان هكذا لكن ليس المراد بذلك ما ذهب إليه فإنه لا يساعده اللفظ فإنه تعالى قد قال (بينهما برزخ لا يبغيان) أي وجعل بينهما برزخا وهو الحاجز من الأرض لئلا يبغي هذا على هذا وهذا على هذا فيفسد كل واحد