جريج " سنفرغ لكم " أي سنقضي لكم وقال البخاري سنحاسبكم لا يشغله شئ عن شئ وهو معروف في كلام العرب يقال لاتفرغن لك وما به شغل يقول لآخذنك على غرتك. وقوله تعالى " أيها الثقلان " الثقلان:
الإنس والجن كما جاء في الصحيح " يسمعه كل شئ إلا الثقلين " وفي رواية " إلا الإنس والجن " وفي حديث الصور " الثقلان الإنس والجن " " فبأي آلاء ربكما تكذبان ". ثم قال تعالى (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) أي لا تستطيعون هربا من أمر الله وقدره بل هو محيط بكم لا تقدرون على التخلص من حكمه ولا النفوذ عن حكمه فيكم أينما ذهبتم أحيط بكم وهذا في مقام الحشر الملائكة محدقة بالخلائق سبع صفوف من كل جانب فلا يقدر أحد على الذهاب " إلا بسلطان " أي إلا بأمر الله " يقول الانسان يومئذ أين المفر * كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ". وقال تعالى " والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " ولهذا قال تعالى (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس الشواظ هو لهب النار وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس الشواظ الدخان وقال مجاهد هو اللهب الأخضر المنقطع وقال أبو صالح الشواظ هو اللهب الذي فوق النار ودون الدخان وقال الضحاك " شواظ من نار " سيل من نار. وقوله تعالى " ونحاس " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " ونحاس " دخان النار وروي مثله عن أبي صالح وسعيد بن جبير وأبي سنان وقال ابن جرير والعرب تسمي الدخان نحاسا بضم النون وكسرها والقراءة مجمعة على الضم ومن النحاس بمعنى الدخان قول نابغة جعدة:
يضئ كضوء سراج السليط * لم يجعل الله فيه نحاسا يعني دخانا هكذا قال. وقد روى الطبراني من طريق جويبر عن الضحاك أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن الشواظ فقال هو اللهب الذي لا دخان معه فسأله شاهدا على ذلك من اللغة فأنشده بيت أمية بن أبي الصلت في حسان:
ألا من مبلغ حسان عني * مغلغلة تدب إلى عكاظ أليس أبوك فينا كان قينا * لدى القينات فسلا في الحفاظ يمانيا يظل يشد كيرا * وينفخ دائبا لهب الشواظ قال صدقت فما النحاس؟ قال هو الدخان الذي لا لهب له فهل تعرفه العرب؟ قال نعم أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول:
يضئ كضوء سراج السليط * لم يجعل الله فيه نحاسا؟
وقال مجاهد: النحاس الصفر يذاب فيصب على رؤوسهم وكذا قال قتادة وقال الضحاك ونحاس سيل من نحاس والمعنى على كل قول لو ذهبتم هاربين يوم القيامة لردتكم الملائكة والزبانية بإرسال اللهب من النار والنحاس المذاب عليكم لترجعوا ولهذا قال " فلا تنتصران فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان (37) فبأي آلاء ربكما تكذبان (38) فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان (39) فبأي آلاء ربكما تكذبان (40) يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والاقدام (41) فبأي