وأورثناها قوما آخرين (28) فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين (29) ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين (30) من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين (31) ولقد اخترناهم على علم على العالمين (32) وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين (33) يقول تعالى ولقد اختبرنا قبل هؤلاء المشركين قوم فرعون وهم قبط مصر " وجاءهم رسول كريم " يعني موسى كليمه عليه الصلاة والسلام " أن أدوا إلى عباد الله " كقوله عز وجل " أن أرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بأية من ربك والسلام على من اتبع الهدى " وقوله جل وعلا " إني لكم رسول أمين " أي مأمون على ما أبلغكموه. وقوله تعالى " وأن لا تعلوا على الله " أي لا تستكبروا عن اتباع آياته والانقياد لحججه والايمان ببراهينه كقوله عز وجل " إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " " إني آتيكم بسلطان مبين " أي بحجة ظاهرة واضحة وهي ما أرسله الله تعالى به من الآيات البينات والأدلة القاطعات " وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون " قال ابن عباس رضي الله عنهما وأبو صالح هو الرجم باللسان وهو الشتم وقال قتادة الرجم بالحجارة أي أعوذ بالله الذي خلقني وخلقكم من أن تصلوا إلي بسوء من قول أو فعل " وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون " أي فلا تتعرضوا لي ودعوا الامر بيني وبينكم مسالمة إلى أن يقضي الله بيننا فلما طال مقامه صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم وأقام حجج الله تعالى عليهم كل ذلك وما زادهم ذك إلا كفرا وعنادا دعا ربه عليهم دعوة نفذت فيهم كما قال تبارك وتعالى " وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملاه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم * قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما " هكذا قال ههنا " فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون " فعند ذلك أمره الله تعالى أن يخرج ببني إسرائيل من بين أظهرهم من غير أمر فرعون ومشاورته واستئذانه ولهذا قال جل جلاله " فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون " كما قال تعالى " ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى " وقوله عز وجل ههنا " واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون " وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاوز هو وبنو إسرائيل البحر أراد موسى أن يضربه بعصاه حتى يعود كما كان ليصير حائلا بينهم وبين فرعون فلا يصل إليهم فأمره الله تعالى أن يتركه على حاله ساكنا وبشره بأنهم جند مغرقون فيه وأنه لا يخاف دركا ولا يخشى قال ابن عباس رضي الله عنهما " واترك البحر رهوا " كهيئه وامضه وقال مجاهد رهوا طريقا يبسا كهيئه يقول لا تأمره يرجع اتركه حتى يرجع آخرهم وكذا قال عكرمة والربيع بن أنس والضحاك وقتادة وابن زيد وكعب الأحبار وسماك بن حرب وغير واحد ثم قال تعالى " كم تركوا من جنات " وهي البساتين " وعيون وزروع " والمراد بها الأنهار والآبار " ومقام كريم " وهي المساكن الأنيقة والأماكن الحسنة. وقال مجاهد وسعيد بن جبير " ومقام كريم " المنابر وقال ابن لهيعة عن وهب بن عبد الله المعافري عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال نيل مصر سيد الأنهار سخر الله تعالى له كل نهر بين المشرق والمغرب وذلله له فإذا أراد الله عز وجل أن يجري نيل مصر أمر كل نهر أن يمده فأمدته الأنهار بمائها وفجر الله تبارك وتعالى له الأرض عيونا فإذا انتهى جريه إلى ما أراد الله جل وعلا أوحى الله تعالى إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره وقال في قول الله تعالى " فأخرجناهم من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين " قال كانت الجنان بحافتي نهر النيل من أوله إلى آخره في الشقين جميعا ما بين أسوان إلى رشيد وكان له تسع خلج (1): خليج الإسكندرية وخليج دمياط
(١٥٢)