واعلم أن المسكين إنما يطيب بشرطين أحدهما: أن يكون آمنا عن جميع ما يخاف ويحذر وهو المراد من قوله * (في مقام أمين) * قرأ الجمهور في مقام بفتح الميم، وقرأ نافع وابن عامر بضم الميم، قال صاحب " الكشاف " المقام بفتح الميم هو موضع القيام، والمراد المكان وهو من الخاص الذي جعل مستعملا في المعنى العام وبالضم هو موضع الإقامة، والأمين من قولك أمن الرجل أمانة فهو أمين وهو ضد الخائن، فوصف به المكان استعارة لأن المكان المخيف كأنه يخون صاحبه والشرط الثاني: لطيب المكان أن يكون قد حصل فيه أسباب النزهة وهي الجنات والعيون، فلما ذكر تعالى هذين الشرطين في مساكن أهل الجنة فقد وصفها بما لا يقبل الزيادة.
والقسم الثاني: من تنعماتهم الملبوسات فقال: * (يلبسون من سندس واستبرق) * قيل السندس ما رق من الديباج، والإستبرق ما غلظ منه، وهو تعريب استبرك، فإن قالوا كيف جاز ورود الأعجمي في القرآن؟ قلنا لما عرب فقد صار عربيا.
والقسم الثالث: فهو جلوسهم على صفة التقابل والغرض منه استئناس البعض بالبعض، فإن قالوا الجلوس على هذا الوجه موحش لأنه يكون كل واحد منهم مطلعا على ما يفعله الآخر، وأيضا فالذي يقل ثوابه إذا اطلع على حال من يكثر ثوابه يتنغص عيشه، قلنا أحوال الآخرة بخلاف أحوال الدنيا. والقسم الرابع: أزواجهم فقال: * (كذلك وزوجناهم بحور عين) * الكاف فيه وجهان أن تكون مرفوعة والتقدير الأمر كذلك أو منصوبة والتقدير آتيناهم مثل ذلك، قال أبو عبيدة: جعلناهم أزواجا كما يزوج البعل بالبعل أي جعلناهم اثنين اثنين، واختلفوا في أن هذا اللفظ هل يدل على حصول عقد التزويج أم لا؟، قال يونس قوله * (وزوجناهم بحور عين) * أي قرناهم بهن فليس من عقد التزويج، والعرب لا تقول تزوجت بها وإنما تقول تزوجتها، قال الواحدي رحمه لله والتنزيل يدل على ما قال يونس وذلك قوله * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) * (الأحزاب: 37) ولو كان المراد تزوجت بها زوجناك بها وأيضا فقول القائل زوجته به معناه أنه كان فردا فزوجته بآخر كما يقال شفعته بآخر، وأما الحور، فقال الواحدي أصل الحور بياض والتحوير التبييض، وقد ذكرنا ذلك في تفسير الحواريين، وعين حوراء إذا اشتد بياض بياضها واشتد سواد سوادها، ولا تسمى المرأة حوراء حتى يكون حور عينيها بياضا في لون الجسد، والدليل على أن المراد بالحور في هذه الآية البيض قراءة ابن مسعود بعيس عين والعيس البيض، وأما العين فجمع عيناء وهي التي تكون عظيمة العينين في النساء، فقال الجبائي رجل أعين إذا كان ضخم العين واسعها والأنثى عيناء والجمع عين، ثم اختلفوا في هؤلاء الحور العين، فقال الحسن هن عجائزكم الدرد ينشئهن الله خلقا آخر، وقال أبو هريرة إنهن ليسوا من نساء الدنيا.
والنوع الخامس: من تنعمات أهل الجنة المأكول فقال: * (يدعون فيها بكل فاكهة آمنين) *