عن قريب * (ولا هم ينصرون) * أي ليس لهم ناصر، والمعنى أن الذي يتوقع منه النصرة إما القريب في الدين أو في النسب أو المعتق، وكل هؤلاء يسمون بالمولى، فلما لم تحصل النصرة منهم فبأن لا تحصل ممن سواهم أولى، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: * (واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا) * إلى قوله * (ولا هم ينصرون) * (البقرة: 123) قال الواحدي: والمراد بقوله * (مولى عن مولى) * الكفار ألا ترى أنه ذكر المؤمن فقال: * (إلا من رحم الله) * قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد المؤمن فإنه تشفع له الأنبياء والملائكة.
اعلم أنه تعالى لما أقام الدلالة على أن القول بالقيامة حق، ثم أردفه بوصف ذلك اليوم ذكر عقيبه وعيد الكفار، ثم بعده وعد الأبرار، أما وعيد الكفار فهو قوله * (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) * وفيه مسائل: المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف " قرىء * (إن شجرة الزقوم) * بكسر الشين، ثم قال وفيها ثلاث لغات: شجرة بفتح الشين وكسرها، وشيرة بالياء، وشبرة بالباء.
المسألة الثانية: لبحث عن اشتقاق لفظ الزقوم قد تقدم في سورة والصافات، فلا فائدة في الإعادة. المسألة الثالثة: قالت المعتزلة: الآية تدل على حصول هذا الوعيد الشديد للأثيم، والأثيم هو الذي صدر عنه الإثم، فيكون هذا الوعيد حاصلا للفساق والجواب: أنا بينا في أصول الفقه أن اللفظ المفرد الذي دخل عليه حرف التعريف الأصل فيه أن ينصرف إلى المذكور السابق، ولا يفيد العموم، وههنا المذكور السابق هو الكافر، فينصرف إليه.
المسألة الرابعة: مذهب أبي حنيفة أن قراءة القرآن بالمعنى جائز، واحتج عليه بأنه نقل أن ابن مسعود كان يقرئ رجلا هذه الآية فكان يقول: طعام اللئيم، فقال قل طعام الفاجر، وهذا الدليل في غاية الضعف على ما بيناه في أصول الفقه.
ثم قال: * (كالمهل) * قرىء بضم الميم وفتحها وسبق تفسيره في سورة الكهف، وقد شبه الله تعالى هذا الطعام بالمهل، وهو دردي الزيت وعكر القطران ومذاب النحاس وسائر الفلزات، وتم الكلام ههنا، هم أخبر عن غليانه في بطون الكفار فقال: * (يغلي في البطون) * وقرئ بالتاء فمن قرأ بالتاء فلتأنيث الشجرة، ومن قرأ بالياء حمله على الطعام في قوله * (طعام الأثيم) * لأن الطعام هو (ثمر) الشجرة في المعنى، واختار أبو عبيد الياء لأن الاسم المذكور يعني المهل هو الذي بل الفعل فصار التذكير به أولى، واعلم أنه لا يجوز أن يحمل الغلي على المهل لأن المهل مشبه به، وإنما يغلي ما يشبه بالمهل كغلي الحميم والماء إذا اشتد غليانه فهو حميم.
ثم قال: * (خذوه) * أي خذوا الأثيم * (فاعتلوه) * قرىء بكسر التاء، قال الليث: العتل أن تأخذ بمنكث الرجل فتعتله أي تجره إليك وتذهب به إلى حبس أو منحة، وأخذ فلان بزمان النقة يعتلها