ولا يغنى عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أوليآء ولهم عذاب عظيم * هذا هدى والذين كفروا بايات ربهم لهم عذاب من رجز أليم) *.
اعلم أنه تعالى لما بين الآيات للكفار وبين أنهم بأي حديث يؤمنون إذا لم يؤمنوا بها مع ظهورها، أتبعه بوعيد عظيم لهم فقال: * (ويل لكل أفاك أثيم) * الأفاك الكذب والأثيم المبالغ في اقتراف الآثام، واعلم ن هذا الأثيم له مقامان: المقام الأول: أن يبقى مصرا على الإنكار والاستكبار، فقال تعالى: * (يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر) * أي يقيم على كفره إقامة بقوة وشدة * (مستنكرا) * عن الإيمان بالآيات معجبا بما عنده، قيل نزلت في النضر بن الحرث وما كان يشتري من أحاديث الأعاجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن والآية عامة في كل من كان موصوفا بالصفة المذكورة، فإن قالوا ما معنى ثم في قوله * (ثم يصر مستكبرا) *؟، قلنا نظيره قوله تعالى: * (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض) * إلى قوله * (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) * (الأنعام: 1) ومعناه أنه تعالى لما كان خالقا للسموات والأرض كان من المستبعد أن يقابل بالإنكار والإعراض.
ثم قال تعالى: * (كأن لم يسمعها) * الأصل كأنه لم يسمعها ضمير الشأن ومحل الجملة النصب على الحال أي يصير مثل غير السامع.
المقام الثاني: أن ينتقل من مقام الإصرار والاستكبار إلى مقام الاستهزاء فقال: * (وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا) * وكان من حق الكلام أن يقال اتخذه خزوا أي اتخذ ذلك الشيء هزوا إلا أنه تعالى قال: * (اتخذها) * للإشعار بأن هذا الرجل إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات التي أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم خاض في الاستهزاء بجميع الآيات ولم يقتصر على الاستهزاء بذلك الواحد.
ثم قال تعالى: * (أولئك لهم عذاب مهين) * أولئك إشارة إلى كل أفاك أثيم لشموله جميع الأفاكين، ثم وصف كيفية ذلك العذاب المهين فقال: * (من ورائهم جهنم) * أي من قدامهم جهنم، قال صاحب " الكشاف ": الوراء اسم للجهة التي توارى بها الشخص من خلف أو قدام، ثم بين أن ما ملكوه في الدنيا لا ينفعهم فقال: * (ولا يغتني عنهم ما كسبوا شيئا) *.
ثم بين أن أصنامهم لا تنفعهم فقال: * (ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء) *.
ثم قال: * (ولهم عذاب عظيم) * فإن قالوا إنه قال قبل هذه الآية * (لهم عذاب مهين) * فما الفائدة في قوله بعده * (ولهم عذاب عظيم) * قلنا كون العذاب مهينا يدل على حصول الإهانة مع العذاب