شىء محيط) *.
واعلم أنه تعالى لما هدد الكفار في هذه الآية المتقدمة بقوله * (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) * (فصلت: 46) ومعناه أن جزاء كل أحد يصل إليه في يوم القيامة، وكأن سائلا قال ومتى يكون ذلك اليوم؟ فقال تعالى إنه لا سبيل للخلق إلى معرفة ذلك اليوم ولا يعلمه إلا الله فقال: * (إليه يرد علم الساعة) * وهذه الكلمة تفيد الحصر أي لا يعلم وقت الساعة بعينه إلا الله، وكما أن هذا العلم ليس إلا عند الله فكذلك العلم بحدوث الحوادث المستقبلة في أوقاتها المعينة ليس إلا عند الله سبحانه وتعالى، ثم ذكر من أمثلة هذا الباب مثالين أحدهما: قوله * (وما تخرج من ثمرات من أكمامها) * والثاني: قوله * (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) * قال أبو عبيدة أكمامه أوعيتها وهي ما كانت فيه الثمرة واحدها كم وكمة، قرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم من ثمرات بالألف على الجمع والباقون من ثمرة بغير ألف على الواحد.
واعلم أن نظير هذه الآية قوله * (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث) * (لقمان: 34) إلى آخر لآية، فإن قيل أليس أن المنجمين قد يتعرفون من طالع سنة العالم أحوالا كثيرة من أحوال العالم، وكذلك قد يتعرفون من طوالع الناس أشياء من أحوالهم، وههنا شيء آخر يسمى علم الرمل وهو كثير الإصابة وأيضا علم التعبير بالاتفاق قد يدل على أحوال المغيبات، فكيف الجمع بين هذه العلوم المشاهدة وبين هذه الآية؟ قلنا إن أصحاب هذه العلوم لا يمكنهم القطع والجزم في شيء من المطالب البتة وإنما الغاية القصوى ادعاء ظن ضعيف والمذكور في هذه الآية أن علمها ليس إلا عند الله والعلم هو الجزم واليقين وبهذا لطريق زالت المنافاة والله أعلم، ثم إنه تعالى لما ذكر القيامة أردفه بشيء من أحوال يوم القيامة، وهذا الذي ذكره ههنا شديد التعلق أيضا بما وقع الابتداء به في أول السورة، وذلك لأن أول السورة يدل على أن شدة نفورهم عن استماع القرآن إنما حصلت من أجل أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان يدعوهم إلى التوحيد وإلى البراءة عن الأصنام والأوثان بدليل أنه قال في أول السورة * (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) * (فصلت: 6) فذكر في خاتمة السورة وعيد القائلين بالشركاء والأنداد فقال: * (ويوم يناديهم أين شركائي) * أي بحسب زعمكم واعتقادكم * (قالوا آنذاك) * قال ابن عباس أسمعناك كقوله تعالى: * (وأذنت لربها وحقت) * (الانشقاق: 2) بمعنى سمعت، وقال الكلبي أعلمناك وهذا بعيد، لأن أهل القيامة يعلمون الله ويعلمون أنه يعلم الأشياء علما واجبا، فالإعلام في حقه محال.
ثم قال: * (ما منا من شهيد) * وفيه وجوه الأول: ليس أحد منا يشهد بأن لك شريكا، فالمقصود أنهم في ذلك اليوم يتبرؤون من إثبات الشريك لله تعالى الثاني: ما منا من أحد يشاهدهم لأنهم