لله تعالى، فوجب حمل هذه الأعضاء على وجوه المجاز، فنقول إنه يقال فلان في قبضة فلان إذا كان تحت تدبيره وتسخيره. قال تعالى: * (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) * (المعارج: 30) والمراد منه كونه مملوكا له، ويقال هذه الدار في يد فلان، وفلان صاحب اليد، والمراد من الكل القدرة، والفقهاء يقولون في الشروط وقبض فلان كذا وصار في قبضته، ولا يريدون إلا خلوص ملكه، وإذا ثبت تعذر حمل هذه الألفاظ على حقائقها وجب حملها على مجازاتها صونا لهذه النصوص عن التعطيل، فهذا هو الكلام الحقيقي في هذا الباب، ولنا كتاب مفرد في إثبات تنزيه الله تعالى عن الجسمية والمكان، سميناه بتأسيس التقديس، من أراد الإطناب في هذا الباب فليرجع إليه.
المسألة الثالثة: في تفسير ألفاظ الآية قوله * (والأرض) * المراد منه الأرضون السبع، ويدل عليه وجوه الأول: قوله * (جميعا) * فإن هذا التأكيد لا يحسن إدخاله إلا على الجمع ونظيره قوله * (كل الطعام) * (آل عمران: 93) وقوله تعالى: * (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) * (النور: 31) وقوله تعالى: * (والنخل باسقات) * (ق: 10) وقوله تعالى: * (إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * (العصر: 2، 3) فإن هذه الألفاظ الملحة باللفظ المفرد تدل على أن المراد منه الجمع فكذا ههنا والثاني: أنه قال بعده * (والسماوات مطويات) * فوجب أن يكون المراد بالأرض الأرضون الثالث: أن الموضع موضع تعظيم وتفخيم فهذا مقتضى المبالغة، وأما القبضة فهي المرة الواحدة من القبض، قال تعالى: * (فقبضت قبضة من أثر الرسول) * (طه: 96) والقبضة بالضم المقدار المقبوض بالكف، ويقال أيضا أعطني قبضة من كذا، يريد معنى القبضة تسمية بالمصدر، والمعنى والأرضون جميعا قبضته أي ذوات قبضته يقبضهن قبضة واحدة من قبضاته، يعني أن الأرضين مع ما لها من العظمة والبسطة لا يبلغن إلا قبضة واحدة من قبضاته، أما إذا أريد معنى القبضة، فظاهر لأن المعنى أن الأرضين بجملتها مقدار ما يقبضه بكف واحدة فإن قيل ما وجه قراءة من قرأ قبضته بالنصب، قلنا جعل القبضة ظرفا وقوله * (مطويات) * من الطي الذي هو ضد النشر كما قال تعالى: * (يوم نطوي السماء كطي السجل) * (الأنبياء: 104) وعادة طاوي السجل أن يطويه بيمينه، ثم قال صاحب الكشاف: وقيل قبضته ملكه ويمينه قدرته، وقيل مطويات بيمينه أي مفنيات بقسمه لأنه أقسم أن يقبضها، ولما ذكر هذه الوجوه عاد إلى القول الأول بأنها وجه ركيكة، وأن حمل هذا الكلام على محض التمثيل أولى، وبالغ في تقرير هذا الكلام فأطنب، وأقول إن حال هذا الرجل في إقدامه على تحسين طريقته، وتقبيح طريقة القدماء عجيب جدا، فإنه إن كان مذهبه أنه يجوز ترك الظاهر اللفظ، والمصير إلى المجاز من غير دليل فهذا طعن في القرآن وإخراج له عن أن يكون حجة في شيء، وإن كان مذهبه أن الأصل في الكلام الحقيقة، وأنه لا يجوز الدول عنه إلا لدليل منفل، فهذا هو الطريقة التي أطبق عليها جمهور المتقدمين، فأين الكلام الذي يزعم أنه علمه؟ وأين العلم الذي لم يعرفه غيره؟ مع أنه وقع في التأويلات