تلك الأجزاء بالمؤثرية دون البعض مع استواء كلها في الماهية ترجيح للممكن من غير مرجح وهو محال، والقسم الثاني باطل، لأنه حينئذ يجتمع على إبطال الجزء الواحد من الثواب جزآن من العقاب مع أن كل واحد من ذينك الجزأين مستقل بإبطال ذلك الثواب، فقد اجتمع على الأثر الواحد مؤثران مستقلان وذلك محال، لأنه يستغني بكل واحد منهما فيكون غنيا عنهما معا حال كونه محتاجا إليهما معا وهو محال.
وسابعها: وهو أنه لا منافاة بين هذين الاستحقاقين لأن السيد إذا قال لعبده: احفظ المتاع لئلا يسرقه السارق، ثم في ذلك الوقت جاء العدو وقصد قتل السيد، فاشتغل العبد بمحاربة ذلك العدو وقتله فذلك الفعل من العبد يستوجب استحقاقه للمدح والتعظيم حيث دفع القتل عن سيده، ويوجب استحقاقه للذم حيث عرض ماله للسرقة، وكل واحد من الاستحقاقين ثابت، والعقلاء يرجعون في مثل هذه الواقعة إلى الترجيح أو إلى المهايأة، فأما أن يحكموا بانتفاء أحد الاستحقاقين وزواله فذلك مدفوع في بداهة العقول.
وثامنها: أن الموجب لحصول هذا الاستحقاق هو الفعل المتقدم فهذا الطارئ إما أن يكون له أثر في جهة اقتضاء ذلك الفعل لذلك الاستحقاق أو لا يكون، والأول: محال لأن ذلك الفعل إنما يكون موجودا في الزمان الماضي، فلو كان لهذا الطارئ أثر في ذلك الفعل الماضي لكان هذا إيقاعا للتأثير في الزمان الماضي وهو محال، وإن لم يكن للطارئ أثر في اقتضاء ذلك الفعل السابق لذلك الاستحقاق وجب أن يبقى ذلك الاقتضاء كما كان وأن لا يزول ولا يقال لم لا يجوز أن يكون هذا الطارئ مانعا من ظهور الأثر على ذلك السابق، لأنا نقول: إذا كان هذا الطارئ لا يمكنه أن يعمل بجهة اقتضاء ذلك الفعل السابق أصلا والبتة من حيث إيقاع الأثر في الماضي محال، واندفاع أثر هذا الطارئ ممكن في الجملة كان الماضي على هذا التقدير أقوى من هذا الحادث فكان الماضي بدفع هذا الحادث أولى من العكس.
وتاسعها: أن هؤلاء المعتزلة يقولون: إن شرب جرعة من الخمر يحبط ثواب الإيمان وطاعة سبعين سنة على سبيل الإخلاص، وذلك محال. لأنا نعلم بالضرورة أن ثواب هذه الطاعات أكثر من عقاب هذه المعصية الواحدة، والأعظم لا يحيط بالأقل، قال الجبائي: إنه لا يمتنع أن تكون الكبيرة الواحدة أعظم من كل طاعة، لأن معصية الله تعظم على قدر كثرة نعمه وإحسانه، كما أن استحقاق قيام الربانية وقد رباه وملكه وبلغه إلى النهاية العظيمة أعظم من قيامه بحقه لكثرة نعمه، فإذا كانت نعم الله على عباده بحيث لا تضبط عظما وكثرة لم يمتنع أن يستحق على المعصية الواحدة العقاب العظيم الذي يوافي على ثواب جملة الطاعات، واعلم أن هذا