/ ثم ذكر الفاصلة التي أو غلت في التأكيد، وكفت في التظليم، وردت آخر الكلام على أوله، وعطفت عجزه على صدره.
ثم ذكر وعده تخليصهم بقوله: ﴿ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين﴾ (1). وهذا من التأليف بين المؤتلف، والجمع بين المستأنس.
كما أن قوله: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ الفساد في الأرض، إن الله لا يحب المفسدين) (2).
وهي خمس كلمات، متباعدة في المواقع، نائية المطارح، قد جعلها النظم البديع أشد تألفا (3) من الشئ المؤتلف في الأصل، وأحسن توافقا من المتطابق في أول الوضع.
ومثل هذه الآية قوله: (وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة، سبحان الله وتعالى عما يشركون) (4).
ومثلها: (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها، فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا، وكنا نحن الوارثين) (5).
/ ومن المؤتلف قوله: (فخسفنا به وبداره الأرض، فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله، وما كان من المنتصرين) (6).
وهذه ثلاث كلمات، كل كلمة منها أعز من الكبريت الأحمر.
ومن الباب الآخر (7) قوله تعالى: (ولا تدع مع الله إلها آخر، لا إله إلا هو، كل شئ هالك إلا وجهه، له الحكم، وإليه ترجعون) (8).
* * * كل سورة من هذه السور تتضمن من القصص ما لو تكلفت العبارة عنها بأضعاف كلماتها، لم تستوف ما استوفته. ثم تجد فيما تنظم ثقل النظم،